للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لغيرِ ناصبٍ ولا جازمٍ جائزٌ ووارد فِي اللُّغة العَربِيَّة، ومنه قول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهِ لَا تَدْخُلوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا" (١) لا تدخلوا (لا) نافية، لا تنصبُ ولا تَجزِم، ومع ذلك حُذِفَتِ النونُ، ولم يقل: (لا تدخلونَ الجَنَّة)، فالجواب عَن هَذَا أن يقال: إن نون الأفعال الخمسة قد تحذف بدون ناصب ولا جازم، لا سيما فِي مثل هَذَا التعبير {أَلَّا يَسْجُدُوا} الدالّ عَلَى التحضيضِ، فإنَّ حَذْفَ النونِ هنا يُسَهِّلُه وجودُ هَذَا الحرفِ السابقِ للفعلِ.

وعَلَى كُلِّ حَالٍ: إذا كانت عَلَى تقديرِ المُفَسِّر، فإن هَذِهِ الجملة بالنِّسْبَة لما قبلها كالمؤكِّدة؛ لأَنَّهُ لما قَالَ: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} [النمل: ٢٤]، هَذَا يَقتضِي أن لا يهتدوا إِلَى الْحَقّ وإلى أنْ يسجدوا لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وَأَمَّا عَلَى القَوْلِ الثاني أن {أَلَّا} للتحضيضِ بمعنى (هلا) فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى أنَّ الهُدْهُد انتقدهم بهَذَا الفِعْل، وبَيَّن أن الأَولى، بل الأوجب أن يَكُون السجود لله عَزَّ وَجَلَّ، وتكون الجملة منفصِلة عما قبلها.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النمل: ٢٤]، مَعَ قوله: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} ألا يقتضي أن مَناط الذمِّ كونهم لا يسجدون لله، وَلَيْسَ كونهم يشركون فِي السجودِ.

الجواب: لا؛ لِأَنَّ معنى قوله: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} يَجِب أن يُفرِدوا الله تَعَالَى بالسجودِ، فيَكُون مَناط الذمّ كونهم يخصصون الشَّمْس بالسجودِ، وكذلك أيضاً لو أشركوا بها مَعَ الله؛ لِأَنَّهُ لا يمكن أن يزولَ الذنبُ إِلَّا إذا خُصِّصَ السجودُ لله وحدَه.


(١) رواه أبو داود، كتاب الأدب، باب في إفشاء السلام، حديث رقم (٥١٩٣)؛ والترمذي، كتاب الاستئذان، باب ما جاء في إفشاء السلام، حديث رقم (٢٦٨٨)؛ وابن ماجه، كتاب المقدمة، باب في الإيمان، حديث رقم (٦٨)؛ وأحمد (٢/ ٤٧٧) (١٠١٨٠)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>