قوله:{فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} أي: بأيِّ شيءٍ يَرجعون به، و {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} هل هِيَ متعلقة بـ (ناظرة) أو متعلقة بـ (يرجع)؟
(ما) هنا اسْتِفْهاميةٌ وليستْ موصولةً؛ لِأَنَّ الموصولةَ تَبقى ألفها مَعَ حرف الجرِّ، والاسْتِفْهامية تُحْذَف؛ كقوله:{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}[النبأ: ١]، لكِن في نحو قولكَ:(هُوَ مسؤولٌ عمَّا قَالَ) تُثْبِت الألفَ، وكذا في قوله:{بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[المائدة: ١٠٥]، فتبقى الألف، وفي قوله:{بِمَ يَرْجِعُ} تحذف الألف، فـ (ما) الاسْتِفْهامية إذا سَبَقَها حرف جرٍّ تُحذف ألفها؛ ولهَذَا نَقُول:{بِمَ يَرْجِعُ} الجارّ والمجرور متعلق بـ (يرجع) ولا يصلح أن يَكُونَ متعلقًا بـ (ناظرة) بناءً عَلَى القَاعِدةِ المشهورر عند النحْويين أن اسْم الاسْتِفْهام له الصَّدارَة، بل الاسْتِفْهام كله سواء كَانَ اسمًا أو حرفًا، له الصَّدارَةُ، وإذا كَانَ له الصَّدارَة لم يَعْمَلْ قبله فيه؛ لِأَنَّهُ لو عمِل ما قبله فِيهِ ما كَانَ له الصَّدارَة، ولكانت الصَّدارَة للعاملِ الَّذِي قبله؛ وعليه فنَقُول:{بِمَ يَرْجِعُ} الجارُّ والمجرورُ متعلِّق بـ (يرجع)، وتكون الجملة إذن مُعلِّقة لـ (ناظرة) عن العَمَل فهي فِي محل نصب.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} من قَبُول الهديَّة أو ردِّها، إن كَانَ ملكًا قَبِلَها، أو نبيًّا لم يَقْبَلْها].
كون المُفَسِّر يُحيل قبولَ الهديَّة وعدمه عَلَى أَنَّهُ إن كَانَ ملكاً قَبِل، وإن كَانَ نبيًّا لم يقبلْ، هَذَا لا دليلَ عليه، ولكِن نَقُولُ: إنَّهُ إذا كَانَ يريد القتالَ فَإِنَّهُ يقبل الهَدِيَّة، يَعْنِي: إذا كَانَ هَذَا الرجل عنده طمعٌ ماديّ فقط، فَإِنَّهُ يقبل الهَديَّةَ؛ لِأَنَّ القتال لا يعلم هل تكون عاقبته له أمْ لا، والهَدِيَّة غَنيمة حاضرة، فيقبلها ويدع المشكوك فيه، وإذا كَانَ لا يريد الدُّنْيا، وإنما يريد أمرًا آخرَ، وَهُوَ الدَّعْوَة إِلَى الإِسْلام وكونهم يسلمون،