للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما قَالَ فِي الأول: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: ٣١]، فَإِنَّهُ حينئذٍ لن يقبلَ الهَدِيَّةَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يدعو إِلَى الله وإلى الإِسْلام لا يمكن أن يَقْبَل هديَّةً عَلَى حسابِ ما دعا إليه أبداً. وَأَمَّا مسألة النبوَّة وعدمها فاللهُ أَعْلَمُ بهَذَا، فلا نجزِم بما قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ، بل نَقُول: إنَّهَا تريد أن تَخْتَبِرَهُ، فإذا كَانَ يريد دنيا فالهديَّة تمنعه من قِتالها، وإذا كَانَ لا يريد دنيا وإنما يريد أن يسلِموا فالهَدِيَّة لا تمنعه.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [فأرسلتْ خَدَمًا ذكورًا وإناثًا]، الآن يبين المُفَسِّر الهديَّة، ثم قَالَ: [ألفًا بالسويَّةِ، وخمسمائة لَبِنَة من الذهب، وتاجًا مُكَلَّلًا بالجواهر، ومِسكًا وعنبرًا وغير ذلك مَعَ رسولٍ بكتاب].

التعيين هَذَا لا دليلَ عليه؛ ولهَذَا نَقُول: إنَّهَا هديةٌ كبيرةٌ بلَا شَكّ، ويدل عَلَى كِبَرِها أن الَّذِينَ أُرسلوا جماعة، أَمَّا تعيينها بهَذَا الأَمْرِ فهَذَا لا نَجْزِم به، فإن كَانَ واردًا عن بني إسرائيل فَإِنَّهُ منَ الأخبارِ الَّتِي لا تُصَدَّق ولا تُكَذَّب.

وقد أسرعَ الهدهد إِلَى سُلَيْمَان يخبره الخبر؛ لِأَنَّ سُلَيْمَان قَالَ له: {فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل: ٢٨]، والظَّاهر أن الهدهد بَقِيَ حَتَّى استقرَّ أمرُهم عَلَى شيءٍ، وقد استقر عَلَى إرسالِ الهَدِيَّةِ، يَقُول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [فأسرع الهدهدُ إِلَى سُلَيْمَان يُخْبِرُه الخبرَ، فأمر]، أي: سُلَيْمَان، [أن تُضْرَب لَبِنات الذهب والفضة وأنْ تُبْسَط من مَوْضِعِه إِلَى تسعة فَرَاسِخ مَيدانًا، وأن يَبْنُوا حولَه حائطًا مُشْرِفًا مِنَ الذهَبِ والفِضَّة، وأنْ يُؤْتَى بأحسنِ دوابِّ البرِّ والبحرِ مَعَ أولادِ الجنِّ عن يمينِ الميدانِ وشمالِهِ].

كل هَذِهِ الأَشْيَاء الَّتِي ذكرها المُفَسِّر لَيْسَ عليها دليلٌ، وهي منَ الغرائبِ أنْ

<<  <   >  >>