وثانيًا: أَنَّهَا أجابتْ بجوابٍ مطابِقٍ لمقتضَى الحالِ؛ إذ الجزمُ بهَذَا تسرُّع، ونفيه تباطُؤٌ أيضًا لاحتمالِ أنْ يَكُونَ إيَّاه.
ثم قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [قال سُلَيْمَان لمَّا رأى لها معرفةً وعِلمًا: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ}]، ووجهُ ارتباطِ هَذِهِ الجملةِ بما سبقَ أن سُلَيْمَان أرادَ أنْ يَتَحَدَّثَ بما أنعمَ اللهُ به عليه منَ العلمِ، والعلمُ يشملُ العلمَ الشَّرْعِيَّ ويشملُ العلمَ بقواعدِ المُلْكِ ومُثبِّتاته، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، يَعْنِي: كَأنَّ الملأ من قومه لمّا رأَوْا ما رأوا من ذكائها ومعرفتها وتحرُّزها وتثبُّتها رأوا أمرًا عظيمًا، فأراد سُلَيْمَان - صلى الله عليه وسلم - أن يُذَكِّرَهُمْ بما هُوَ أعظمُ من ذلك، وَهُوَ ما آتاهم الله تَعَالَى منَ العلمِ السابقِ والإِسْلامِ {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ}.
ويرى بعضُ المفسِّرين أن قوله:{وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا} من قول المَرْأَة وأن المسألةَ متَّصِلة، وَيكُون قوله:{مِنْ قَبْلِهَا} أي: من قبل هَذِهِ القضية، أي أننا عندنا علم من قبلِ هذه القضيةِ، فلا تعجبوا من عِلْمِنَا بهَذَا فإنَّ لنا عِلمًا سابقًا، ولكِن هَذَا الاحتمال وإن ذُكِرَ بعيدٌ، والصَّوابُ أنَّ هَذَا من قول سُلَيْمان عليه الصلاة والسلام يتحدث فِيهِ بنعمةِ اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالى عليه وَعَلَى قومه السابقة لمعرفة هَذِهِ المَرْأَة.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إن قوله: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا} يَدُلّ عَلَى أن قائل: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} هُوَ سُلَيْمَان - صلى الله عليه وسلم - لا أحد جنوده؟
فالجواب: محُتْمَل، لكِن لا يَتَعَيَّن من قوله:{وَأُوتِينَا}؛ لِأَنَّهُ قد يقوله أحد جنوده، ثُمَّ يتكلم سُلَيْمَان بَعْد ذلك بعدَما تَحْصُل هَذِهِ المشاهدةُ، فيقول:{وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا}.