للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فعندما تخاصم إِنْسَانًا وأنت تعرف أن الْحَقّ له لا لك تُعَدُّ ظالمًا، وعندما يشتبه عليك الأَمْر بحيث ترجح ثمانين فِي المِئَة أنَّهُ له، وعشرين فِي المِئَة أَنَّهُ لك، يَكُون هَذَا الظلم أخف من الأول، وعندما يَكُون خمسين فِي المِئَة لك وخمسين فِي المِئَة له يَكُون أخف من الثاني، وعندما ترجح ثلاثين فِي المِئَة له وسبعين لك يَكُون أخف وهَكَذَا.

فالمهم: أن الظلم يَكُون أقبح وأشنع بحسب ظهور الْحَقّ وبَيَانه، وأظهر الحقوق وأبينها عبادة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فيَكُون أظلم الظلم الإشراك مَعَ الله؛ أن تشركَ مَعَ اللهِ أحدًا، ولهَذَا تقول: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي}.

إِذَنِ: النفس عندك أمانة، يَجِب عليك أن تسعى لها بما فِيهِ خيرُها، فأنت يَجِب أن تسعى لنفسك بما هُوَ خيرٌ لها، فإن تجرَّأتَ عَلَى ما لَيْسَ لك فقد ظلمتَ نفسَكَ، أو فرَّطت فيما يَجِب عليك، فقد ظلمتَ نفسَك، وإذا كنت لا تستطيع أن تَتَصَرَّفَ فِي بَدَنِكَ بما تريد فكيف تستطيعُ أن تتصرَّف فِي فِعلك بما تريد.

فلو أن إِنْسَانًا قَالَ لشخصٍ: أنا سأعطيك إصبعي اقْطَعْه وضَعْهُ فِي يدِكَ الَّتِي نَقَصَ مِنْهَا إصبعٌ، فلا يجوز، فهَذَا حرام، ولو قَالَ: سَأَقْلَعُ عيني لك وضعها فِي عينك الَّتِي لا ترَى فلا يجوز، ولو كَانَ لضرورةٍ، أَمَّا الدم فَإِنَّهُ يجوزُ التبرُّع به لِأَنَّهُ مَنفعة، أَمَّا الكُلَى فلا يجوز؛ لِأَنَّهُ ضررٌ عليك، ولا تفكِّر أن الله جَلَّ وَعَلَا يخلُق شيئًا عَبَثًا، وثانيًا لا يمكن أن يَكُون عمل كُلْيَةٍ واحدةٍ كعمل كُليتينِ، وثالثًا: لا يُؤْمَن أنْ يَلْحَقَ الكُلْيةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَطَبٌ، المهمُّ أَنَّهُ إذا كَانَ هَذَا لا يمكن فِي جِسْم مَآلُهُ إِلَى الفناءِ، فكيف يَكُون ذلك فِي الأفعالِ الَّتِي عليها مَدارُ سعادةِ العبدِ، فلا يجوزُ أن تتصرفَ فِي أفعالِكَ بما يعود عَلَى نفسِكَ بالضررِ، فإنْ فعلتَ فأنتَ ظالمٌ.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَأَسْلَمْتُ} كائنة {مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}]، أفاد

<<  <   >  >>