عَلَى كُلِّ حَالٍ: أهمُّ شيءٍ أَنَّهُم أنكروا الرسالةَ وكفَروا بالخالِق، فهَذِهِ من أعظمِ المَعاصِي الَّتِي يُفْسِدُونَ بها فِي الْأَرْض.
قوله:{وَلَا يُصْلِحُونَ} يُفْسِدون ولا يُصْلِحون، معناه أنَّ فَسَادَهم هَذَا - والعياذُ باللهِ - شاملٌ، لَيْسَ فِيهِ صلاحٌ أبدًا، وهَذه هِيَ الحِكْمَةُ من قولِهِ:{وَلَا يُصْلِحُونَ}، وفيه فائدة عظيمة، وَهُوَ أَنَّهُ قد يَجتمِع الصلاحُ والفسادُ فِي آنٍ واحدٍ، كما أن الْإِنْسَان يَكُون مؤمنًا وَيكُون فاسقًا، وَيكُون فِيهِ إيمانٌ وفيه كفرٌ، وفِيهِ فسوقٌ وطاعةٌ، وفِيهِ فسادٌ وصلاحٌ، فالأُمُورُ إمَّا خيرٌ مَحضٌ وصلاحٌ مَحضٌ، وَإمَّا شرٌّ محض وفساد محض، وَإمَّا خليطٌ من الأَمْرينِ. وهَؤُلَاءِ القومُ يُفسِدون ولا يُصلِحون، والعياذُ باللهِ، فما يصلحون بالطاعة أبدًا، وهَذَا دليل عَلَى أَنَّهُم لَيْسَ فيهم خير محض، ولَيْسَ فيهم خير أبدًا، لا قليل ولا كثير، لكِن فيهم أُناس خيِّرون، وهم الَّذِينَ آمنوا بصالحٍ واتبعوه، لكِن هَؤُلَاءِ الرهط التسعة يفسدون ولا يصلحون، دائمًا لَيْسَ لهم هَمّ إِلَّا الفساد فِي الْأَرْض بالمَعاصِي، وإلقاء الفِتَن بين النَّاسِ، ومحاولة قتل المُصْلِحِين، ولهَذَا قَالُوا:{تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ}[النمل: ٤٩]، إِلَى آخرِهِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: التشاؤُمُ هل يُعْتَبرُ شِركًا أصغرَ أو أكبرَ؟
فالإجابة: التشاؤمُ شِركٌ أصغرُ، ما لم يعتقد أَنَّهُ مؤثِّر بنفسِهِ فيَكُون أكبرَ، وأظننا ذكرنا هَذِهِ القاعدة: كُلّ مَن أثبتَ سببًا غيرَ شرعي أو قَدَرِيّ - يعني لا يقتضيه الشرعُ ولا القدرُ - فَهُوَ مُشرِكٌ، لَكِنَّهُ شرك أصغر، لا يؤدِّي إِلَى الأكبرِ، فأمَّا ما اقتضاه الشرع أو اقتضاه القدرُ: فما اقتضاه الشرع بأن يعلم من طريقِ الشرعِ أن هَذَا سبب لهَذَا، كقراءةِ الفاتحةِ عَلَى المريضِ سبب للشفاءِ شَرعًا، يعني جاء بها الشرعُ، والتجارب