للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنا الْآنَ مثلًا أعرف أن هَذَا الشَّيْء محرَّم من الصناعة أو من الزراعة أو مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لكِن هل أعرف كيف أصنعه؟ وأعرِف أن صناعةَ السياراتِ من الأُمُورِ الطيِّبة المطلوبة؛ لمِا فيها من المصلحةِ، لكِن هل أعرِف كيف أصنعُ السيَّارة؟ أقول للكافر المشرك الملحِد الشيوعيّ الخبيث: أنت أعلم بشؤون دنياك، لَكِنَّهُ لَيْسَ أعلم منِّي بحكم هَذَا الشَّيْءِ، وهَذَا واضحٌ، فقول الرَّسُول: "أنتُمْ أَعْلَمُ بِشُؤُونِ دُنْيَاكُمْ" يعني أنتم أعرفُ هل هَذَا التلقيحُ يَنْفَع أو لا يَنْفَع؛ لأنَّكم مجرِّبون وفاهِمون، لكِن أنا أُعطيكم حُكْمًا شرعيًّا بأنَّ كُلّ ما كَانَ صالحًا للخلقِ ولأجلِ مَصْلَحَة الخلقِ فَهُوَ منَ الأُمُورِ المطلوبةِ شرعًا؛ لِأَنَّ أصل الشرائعِ ما نَزَلَتْ إِلَّا لإصلاحِ الخَلْقِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: ما وردَ عن النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي وسائل الطب يُشْكِل عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَيْسَ طبيبًا؟

فالجواب: نعم لَكِنَّهُ بالوحي يُدْرِك هَذَا الشَّيْء؛ لِأَنَّهُ هُوَ إمَّا أن يَكُون أدركه بالتجاربِ، فإذا أدركه بالتجارب وأخبرَ به عُلِمَ، وَإمَّا أن يَكُونَ قد أدركه بالوحيِ، فمثلًا ذِكره أنَّ الشفاء فِي ثلاثٍ (١)، والعَسَل معروف بالوحي: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: ٦٩]، وهناك الكَيّ والحِجَامة، فيَحْتَمِل عندي أنا وعند غيري أَنَّهُ تلقَّى ذلك من الوحيِ، ونحن لا نعلم بهَذَا، ويَحتمِل أَنَّهُ عَلِمَه من التجاربِ وثبَت عندَه، ومع ذلك أيضًا نَقُولُ: ما دامَ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - أَثبَتَهُ فإنَّنا نُثبته؛ لِأَنَّهُ ثبت بقولِ الرَّسُول وكذلك التجارِب تَشْهَد له.

فالتَّلْقِيح وغيرُه مثل صناعة الأبوابِ والبناياتِ، وهَذه الأَشْيَاء قد لا يَعْلَمُها


(١) انظر: صحيح البخاري، كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاث، حديث رقم (٥٣٥٦)، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>