الاستئنافيَّةِ بَيَانا لها {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ}، أَمَّا عَلَى قراءةِ الفتحِ فهي بَيَان للعاقبةِ، بَدَل مِنْهَا: فانظُرْ كيف كَانَ عاقبة مَكْرِهم أَنَّنا دَمَّرْنَاهم، أو أَنَّهَا عَلَى خبر مبتدأ محذوف التَّقْدير: هِيَ {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ}.
وقوله:{دَمَّرْنَاهُمْ} يَقُول المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: [أهلكِناهم]، و {دَمَّرْنَاهُمْ} منَ التدميرِ، وَهُوَ أبلغُ منَ الإهلاكِ؛ لِأَنَّ التدميرَ يُوحِي بغِلَظِ هَذَا الإهلاكِ وعَظَمَتِهِ، وَهُوَ كذلك، فإنَّ قومَ صالحٍ أُخِذُوا - والعياذُ بالله - بأمرينِ: بصيحةٍ ورجفةٍ، صِيحَ بهم وارْتجَفَتْ بهمُ الْأَرْضُ، حَتَّى انهدم عليهم بناؤُهم وتَقَطَّعَتْ قُلُوبُهم فِي أجوافِهِم، نسألُ اللهَ العافيةَ، قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١)} [القمر: ٣١]، مثل هشيم الحظائرِ إذا جفَّ تهَشَّمَ والعياذُ باللهِ، فهَذا الهلاكُ العظيمُ نتيجة لهَذَا العصيانِ والتمرُّد والمَكْر الَّذِي أرادوه بالنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله:{دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ} مَعَ أنَّ القومَ لم يُشارِكوا فِي هَذِهِ الجريمةِ، ولكِن هَذَا شُؤْمُ المَعاصِي أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذا عاقبَ بها أحدًا شَمِلَ الجميعَ، مَعَ أنَّ قومَهم مُسْتَحِقُّونَ للعقوبةِ؛ لِأَنَّهُم كانوا كفَّارًا مكذِّبين، لكِن تعجيل العقوبةِ مقرونٌ بهَذَا السَّبَب، وَهُوَ مَكْرُ هَؤُلَاءِ بصالح، وقد لا يَكُونُ القومُ مُسْتَحِقِّين له، ولكِن شَمِلَهم - والعياذُ بالله - عُقُوبَة هَؤُلَاءِ، وقَّدَ ذكرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى فِي آيَاتٍ أُخْرَى مُفَصَّلَةً أنَّ نَبِيَّهم صالحًا قَالَ لهم:{تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ}[هود: ٦٥]، فتَمَتَّعُوا وبَقُوا ثلاثةَ أيامٍ ثُمَّ بَعْد ذلك أَخَذَهُمُ اللهُ تَعَالَى بهَذه الصيحةِ والرَّجْفَة.
وقوله:{أَجْمَعِينَ} مَحَلُّها من الإعراب توكيد لِقَوْلِهِ: {وَقَوْمَهُمْ} يعني ما بقي منهم أحدٌ إِلَّا من كَانَ مؤمنًا بصالحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.