للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جعل عَالِيَ بلادهم سافلَها، كما أن أولئك سَفُلُوا بأخلاقهم حَتَّى كانوا يستعملون هَذِهِ الفاحشةَ وَيذَرُون ما خلق لهم ربُّهم من أزواجهم، وهَذَا بلَا شَكّ انقلابٌ فِي فِطَرِهِم، ولذلك عُوقِبُوا بهَذهِ الجريمة والعياذ باللهِ.

الْفَائِدَة الثَّانِيَةُ: الثَّناء عَلَى الفِعْل بما يسْتَحِقّه من الثَّناء، حَيْثُ قَالَ: {فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} وهنا نُورِدُ إشكالاً، وَهُوَ أن هَذَا المطرَ منَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، والثَّناء عليه بالقُبْح وبالشرّ ألا يُنافي قولَ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ" (١)؟

نَقُول: لا ينافيه، والجمع أن هَذَا السوءَ لَيْسَ فِي فعلِ اللهِ ولكِنه فِي مَفْعُولهِ، فهَذَا المطرُ هُوَ الَّذِي أثنى عليه بالسُّوء {فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ}، وَأَمَّا فعل الله فَإِنَّهُ لَيْسَ بشر، بل هُوَ من كمالِ العدلِ والْقُوَّة والسلطانِ، حَيْثُ عاقب المجرمينَ بما يَسْتَحِقّون، وعقوبةُ المجرِمِ بما يَسْتَحِقّ لَا شَكَّ أَنَّهَا ليستْ بظلمٍ وليستْ بسيِّئة ولا يُثنَى عَلَى فاعلها بالسوء. فتبَيَّنَ بهَذَا أَنَّهُ لا ينافي قولَ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ".

الْفَائِدَة الثَّالِثَةُ: أن هَؤُلَاءِ الَّذِين أَهْلَكَهُمُ اللهُ قد قامتْ عليهم الحُجَّة، لقولِهِ: {الْمُنْذَرِينَ}، فهؤلاء أُنذروا بالعذابِ، فقامت عليهم الحجَّة، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُول فِي الْقُرْآن: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥]، ما عذَّب اللهُ أُمَّة من الأممِ إِلَّا بعدَ قيامِ الحجَّة عليها، ولولا ذلك لكانتِ الحجَّةُ عَلَى اللهِ، قَالَ الله تَعَالَى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥]، فلا أحدَ له حُجَّة عَلَى ربِّه؛ لِأَنَّ الحجّة قد قامت بما رَكَّب الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي فِطَر النَّاس من محبَّة الخير وعبادةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، وأيَّد ذلك الأنْبِياء والرسُلُ الَّذِينَ أتوا بالبيِّناتِ


(١) رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، حديث رقم (٧٧١)، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>