للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {أَمَّا يُشْرِكُونَ} يعني أم الَّذِي يشركونه مَعَ الله من الأصنام وغيرها، والجواب: "بل اللهُ خير"، ولهَذَا يَنبغي لك إذا قرأتَ مثل هَذَا أن تقولَ: بل الله، وهَذِهِ المعادلةُ لا تَقتضي المقاربةَ أو المماثلةَ، فَإِنَّهُ قد يُفَاضَلُ بين الشيئينِ مَعَ خلوِّ الطرفِ الثاني منهما، قَالَ الله تَعَالَى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: ٢٤].

مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مُسْتَقَرّ النَّار خيرٌ وَلَيْسَ فيها حُسْن مَقيل، بل إنَّهُم يُفَضِّلُون بين أمرين متعاكسين، فيقال مثلًا: الشتاء أشدُّ مِنَ القَيْظِ، وأبلغُ من هَذَا: الشتاءُ أبردُ منَ القَيْظِ، مَعَ أنّ القَيْظَ لَيْسَ فِيهِ بُرُودَة.

فالحاصل: أن هَذَا ما يَقتضي المماثَلَةَ أو المساواةَ. ولكِن هل يَقتضي النقصَ؟

نعم يَقتضي النقصَ؛ لِأَنَّهُ يُوهِم المشاركةَ إِلَّا فِي مَقامِ التنزُّلِ فلا يَقتضي النقصَ، يَقُول الشاعر (١):

أَلمْ تَرَ أَنَّ السَّيْفَ يَنْقُصُ قَدْرهُ إِذَا ... قِيلَ إِنَّ السَّيْفَ أَمْضَى مِنَ الْعَصَا

لكِن عند التنزُّل لا يَدُلّ عَلَى النقص، فهَذِهِ الأصنام الَّتِي يُشْرَكُ بها مَعَ الله يريد مِنْهَا عابدوها أنْ تَنْفَعَهُم بجلبِ النفعِ أو دفعِ الضررِ، فنَقُول لهم: أيَّما خير؛ أصنامكم أم اللهُ؟ من بابِ التنزُّل مَعَ الخَصْمِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَدَّعُون أن في آلهتهم خيرًا، فيقال لهم: آلله خيرٌ أم ما يشركون، يعني عَلَى زَعْمِكُم، وإن كَانَ لَيْسَ فِيهِ خيرٌ إطلاقًا.

وقوله: {أَمَّا يُشْرِكُونَ}: (أم) هَذِهِ متَّصلة أو مُنْقَطِعة؟ وما الفرق بين المتصلة والمنقطعة لكي نَحْكُمَ عليها؟


(١) قائل هذا البيت هو محمد جواد بن عبد الرضا عواد البغدادي له ديوان بمكتبة آية الله الحكيم بالنجف، هلك عام ١١٦٠ هـ.

<<  <   >  >>