قوله:{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}: (خلق) بمعنى أَوْجَدَ بتقديرٍ؛ لِأَنَّ الخَلْقَ لَا بُدَّ أن يسبقه تقدير، والإيجاد أعمُّ منه، فقد يوجد الشَّيْء بلا تقديرٍ، ولكِن الخلق لَا بُدَّ فِيهِ من تقديرٍ.
قوله:{السَّمَاوَاتِ}، بعضهم يَقُول: السَّماوَات ليست مَفْعُولا بها؛ لِأَنَّهُ ما وقع عليها فعل الفاعلِ، إذ هِيَ لم توجد إِلَّا بفعلِ الفاعلِ، وإنما يقالُ: مَفْعُول مطلق وليست مَفْعُولا بها؛ لِأَنَّ المَفْعُول به يَقتضي أن يَكُون ما وقع عليه الفِعْل سابقًا عَلَى الفِعْل، وهنا السَّماوَات ليست سابقةً عَلَى خلقه، وَعَلَى هَذَا فقلْ: إنَّهَا مَفْعُول ولا تقلْ: به، فقُلْ: مَفْعُول فقط، لا به ولا فِيهِ ولا معه ولا له؛ لِأَنَّ المفاعيل خمسةٌ كما هُوَ معروفٌ؛ مَفْعُول غير معدّى بحرفٍ، ومَفْعُول معدى بحرف (الباء) أو بـ (في) أو بـ (اللام) أو بـ (مع).
أَمَّا المَفْعُول المطلَق فيَكُون بمعنى الفِعْل، مثل ضربتُ ضَربًا، ولا يعدَّى بالباء أو بـ (فِي)، فهَذِهِ المفاعيل.
لكِن هَذَا فِي الحقيقةِ منَ الفلسفةِ الَّتِي لَيْسَ لها معنى؛ لِأَنَّ {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ} معناها أوجدَ السَّماوَات، فالمَفْعُول به أو الفِعْل واقع عَلَى الإيجادِ، وإن كانتِ السَّماوَات قبلَ الإيجادِ ليستْ موجودة، فالإيجادُ سابقٌ عَلَى الموجودِ؛ لِأَنَّ به يَحْصُلُ الوجودُ، فلا حاجةَ إِلَى هَذَا التمحُّل، ونَقُول: وأيضًا {السَّمَاوَاتِ} مَفْعُول به، هم يَقُولُونَ: المَفْعُول به لَا بُدَّ أنْ يَكُونَ سابقًا عَلَى الفِعْل: (ضربتُ زيدًا)، فزيدٌ سابِقٌ عَلَى الضربِ، (أكلتُ الطعامَ)، فالطعامُ سابقٌ عَلَى الأكلِ، (صنعتُ الطعامَ) حوّلته من حال إِلَى حال، أيضًا سابق عَلَى الطعام.