فإِذَنْ: لا أحدَ يستطيع أن يجعلَ الْأَرْض قرارًا بأهلها إِلَّا خالق الْأَرْض، وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وقوله:{قَرَارًا} استدلّ به مَن يَقُول: إن الْأَرْض تدور ومن يَقُول: إن الْأَرْض لا تدور؛ الَّذِي يَقُول: إن الْأَرْض لا تدورُ يَقُول: لِأَنَّهَا مَعَ الدَّوَرَان ليست بِقَرَارٍ، لو كانت تدورُ لاستدارتْ رُؤُوسُنا. وَالَّذِي يَقُول: إنَّهَا تدور يَقُول: لولا أن هناك حركة ما نُفِيَ الميَدَان، فنفيُ الأخصُّ يَقتضي وجودَ الأعمّ، مثلما أنكم استدللتم بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}[الأنعام: ١٠٣]، استدللتم بها عَلَى أنَّ الله يُرى؛ لِأَنَّهُ لو كَانَ لا يُرى ما صحَّ أن يقولَ:{لَا تُدْرِكُهُ} لقالَ: لا تراه. قال تَعَالَى:{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}[لقمان: ١٠]، فلولا وجود حركة ما صحَّ نفي المَيَدَان؛ لِأَنَّ ما لا يَتَحَرَّك لا يُتَوَقَّع منه المَيَدَان، وإنما توقّع الميدان لما يَتحرَّك، وَعَلَى هَذَا فنَقُول: إن فِي الآيَاتِ دليلًا عَلَى أن الْأَرْض تدور.
والَّذِينَ يَقُولُونَ: لا تدور، يَقُولُونَ: إن نفيَ المَيَدَان صحيحٌ يَدُلّ عَلَى حركةٍ، لكِن هل هُوَ يَدُلّ عَلَى حركةٍ موجودةٍ بالفِعْل أو يدلّ على حركةٍ متوقَّعة، بمعنى أَنَّهُ لولا هَذِهِ الجبالِ لكانتْ تَضْطَرب؛ حَيْثُ إِنَّهَا فِي الماء، ولكِن لمّا وُجِدَتْ هَذِهِ الجبالُ أَمْسَكَتْها وكانت لها رواسيَ بمنزلةِ أطنابِ الخيمةِ.
وفي الحقيقةِ أن هَذَا الأخيرَ ردٌّ واضحٌ عَلَى الأوَّل، وَأَنَّهُ لا يلزم من مجرَّد الحركةِ الدَّورانُ، فنحن نَقُول: نعم الْأَرْض يمكن أن تتحرَّك، ولولا هَذِهِ الجبال لمادَتْ؛ لِأَنَّهَا فِي ماءٍ، فَكُرةٌ فِي ماءٍ لَا بُدَّ أنْ تَتَحَرَّك، والماء كما ترونَ تَضْرِبه الرِّيَاح فلَا بُدَّ أن يَكُون فِيهِ أمواجٌ عظيمةٌ مثل الجبالِ، قَالَ تَعَالَى:{يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ}[النور: ٤٠]، هَذِهِ الأمواج العظيمة إذا ضَرَبَتِ الْأَرْضَ لولا وجود الجبالِ المُرْسِيَة لمادتْ