فالحاصل: أن الآيَة لَيْسَ فيها ما يُقَرِّرُ أن الْأَرْض تدورُ، وفيها ما يقرِّر أن الْأَرْض لَا شَكَّ أَنَّهَا تَضْطَرِب لولا وجود هَذِهِ الجبال.
ثم تبقى مسألة الدَّوران، ولا دليل عليها من الْقُرْآن، يَعْنِي: لا دليل يُثْبِتها ولا دليل يَنفيها، فإذا ثبتَ ذلك بالأدلَّة البيِّنة فإنَّنا نُؤْمِن به؛ لِأَنَّ الْإِنْسَان المؤمن لا ينكر المحسوسَ أبدًا، بل إذا أنكرَ المحسوسَ كَانَ ذلكَ طعنًا فِي فَهْمِه وَفي تصوُّره، وما دام أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآن ما يَنفي ذلك ولا ما يُثْبِتُه فموقفنا نحنُ الوقوفُ حَتَّى يَتبَيَّنَ لنا الأَمْرُ، فمَن زعمَ أن الأَمْرَ قد تَبَيَّن له وَهُوَ منَ المُسلِمينَ وقال: أنا أعتقد ذلك لا ننكر عليه؛ لأنَّنا لَيْسَ عندنا دليل حَتَّى ننكر عليه، وكذلك مَن قَالَ: أنا لا يَتَبَيَّن لي.
والحمدُ للهِ حَسْبُنا أن نَقُولَ:{قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[البقرة: ٣٢]، وكونها تدور أو لا تدور هَذَا أمرٌ ما يعنينا، فما يعنينا أنَّ المصالحَ الْآنَ - وللهِ الحمدِ - مُرَتَّبَة عَلَى تعاقُبِ الليلِ والنَّهارِ، قَالَ تَعَالَى:{وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[القصص: ٧٣].
قال تعالى:{وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا}، ومعنى {خِلَالَهَا} قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [فيما بَيْنَها {أَنْهَارًا}]، أنهارًا ظاهرةً عَلَى ظهرِ الْأَرْضِ وأنهارًا داكنة فِي جوفِ الْأَرْض؛ فإن الله تَعَالَى أخبر بأن هَذَا المطرَ يَسْلُكُه الله تَعَالَى ينابيعَ فِي الْأَرْض، وهَذَا شَيْء مشاهَد، فالَّذِينَ يَحْفِرون الْأَرْض يجدون أن فيها أنهارًا تجري، وَيرَوْنَهَا عيونًا تجري فِي باطنِ الْأَرْضِ وتَصُبّ حَيْثُ أراد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنْ تَصُبَّ.
فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الَّذِي جَعَلَ خِلالَ الْأَرْضِ هَذِهِ الأنهارَ، ولوِ اجتمعتِ الأمَّة كلها بجميع قواها وقُدَرِها عَلَى أن تُجريَ نهرًا واحدًا من هَذِهِ الأنهار ما استطاعوا