للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَى ذلك سبيلًا، فالذي جعلَ هَذِهِ الأنهارَ رحمةً بالعبادِ هُوَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} جبالًا أثبتَ بها الْأَرْض]، {وَجَعَلَ لَهَا} أي: صَيَّر لها رواسيَ، يَقُول المُفَسِّر: [جبالًا أثبت بها الْأَرْض] فواعل جمع فاعل، أي: راسٍ، وَكَأن المُفَسِّر هنا يشير إِلَى أن راسيًا بمعنى مُرْسِي، وفرقٌ بين الراسي والمُرْسِي، الراسي يعني بنفسِه والمُرْسِي لِغَيْرِهِ، هَذِهِ الجبالُ يعبِّر الله عنها في آيَاتٍ عديدة بأَنَّهَا رواسٍ، وقال فِي سورة النازعات: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات: ٣٢].

وهل المُراد أرسى الْأَرْضَ بها أو أَرْسَى الجبالَ أي أثبَتَهَا؟

كِلا المعنيينِ، فإذن هِيَ رواسٍ بِنَفْسِها، وهي أيضًا مُرْسِيَة، ولهَذَا سمّاها الله أوتادًا: {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: ٧]، بمنزلة أوتاد الخيمة تُمْسِكها وتَضْبِطها، وهَذِهِ الجبال راسية بنفسها، ولذلك عَلَى كثرة العواصفِ والقواصِفِ تجدها ثابتةً لا تتغيّر، فهي راسيةٌ وكذلك أيضًا مُرْسِية لِلْأَرْض، كما قَالَ الله تَعَالَى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: ١٥]، فهي راسية مُرْسِيَة.

والَّذِي جعل هَذِهِ الرواسيَ هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلوِ اجتمعتِ الخلائقُ كلها عَلَى أن تُثْبِت جبلًا من مثل هَذِهِ الجبالِ الكبيرةِ ما استطاعوا إِلَى ذلك سبيلًا، فدلَّ هَذَا عَلَى أنَهُ لا إلهَ مَعَ اللهِ؛ كما يأتي تقريره فِي آخر الآيَةِ.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا} بينَ العَذْبِ والمِلْحِ، لا يَخْتَلِط أحدهما بالآخَرِ]، {حَاجِزًا} أي: مانعًا، والمُراد بالبحرينِ العذبُ والمِلح.

ثُمَّ كيف يَكُون هَذَا الحاجز؟

بعضهم قَالَ: إنَّ الحاجزَ هُوَ اليابسُ مِنَ الْأَرْضِ الَّذِي يَحُولُ بينَ البحرِ وبين

<<  <   >  >>