النهرِ؛ لِأَنَّ النهر له مَجْرى خَاصّ والبحر له مجرى خاصّ، ولو شاءَ الله تَعَالَى لَمَزَجَهُمَا، ولكِن جعل لهَذَا مجاريَهُ وجعل لهَذَا مجارَيهُ.
وبعضهم يَقُول: إنَّهُ حاجزٌ غير مرئيٍّ، وَلَيْسَ هُوَ اليابسَ، وَإنَّهُ يوجد فِي نفس البحارِ أنهارٌ عَذْبَةٌ حُلْوَةٌ، ومع ذلك لا تَخْتَلِط فتفسد بالمِلح ويفسد المِلح بها؛ لِأَنَّهُ لوِ اختلطَ الحلوُ بالمالحِ لفسدَ الهواء وأنتنَ وأوجد احمِرارًا كما نشاهِد الْآنَ فِي المستنقَعَات الَّتِي تأتي من السيولِ إذا مرَّ عليها وقتٌ يتغير بها الجو والهواء ويتولد مِنْهَا أَشْيَاء كثيرة مؤذِيَة ضارَّة، بينما البحار العظيمة لا يؤثِّر فيها هَذَا، بما أودعَ الله تَعَالَى من هَذَا المِلح الَّذِي يقتُل الجراثيمَ ويمنع فسادَ الهواءِ، فلوِ اختلطتْ هَذِهِ بهَذِهِ أفسدَ كُلٌّ منهما الآخَرَ، لَكِنَّهُ جعل بينهما حاجزًا.
فالمهمّ هل هَذَا الحاجزُ أمرٌ محسوسٌ وَهُوَ اليابسُ منَ الْأَرْض الَّذِي يَكُون بين هَذَا وهَذَا، أو هُوَ حاجزٌ غيرُ محسوسٍ، كما يشاهَد فِي الأنهارِ الَّتِي فِي وسط البحارِ؟
لنا أن نَقُولَ بالأَمْرينِ؛ حاجز محسوس وحاجز غير محسوس، وقد أخبرني الشبابُ أَنَّهُم دائمًا إذا جَزَرَ البحر بَعْد امتدادِه يَجِدُون فِي الْأَرْض الَّتِي يدخل مِنْهَا الماء عُيُونًا حُلوة جدًّا، وأخبروني أيضًا أَنَّهُم يَسْتَسْقُون من هَذِهِ العيونِ فِي وسطِ البحرِ، فيُنْزِلون أفواهَ القِرَب ويجعلونها عَلَى العينِ حَتَّى تَمْلَأَهَا، وهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ من تمامِ قدرةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، حَيْثُ جعل بين هذينِ البحرينِ - وكلٌّ منهما ماء - حاجزًا ومنعَ اختلاطَ أحدهما بالآخَر.
وبعض النَّاس يَقُولُونَ: إن الحاجز هُوَ ما يوجد فِي مَصَبِّ النهرِ، وهَذَا عندي فِيهِ نظرٌ؛ لِأَنَّ مَصَبّ النهر إذا اندفعَ يفرِّق الماء المالِحَ فتجده مثلًا قد صَبَّه إِلَى مسافةٍ حَسَب اندفاع النهرِ، لكِن هَذَا لَيْسَ بصحيحٍ؛ لِأَنَّ هَذَا أمر محسوس، أَمَّا الشَّيْء