اسم مَفْعُول بلَا شَكّ؛ لِأَنَّ معنى مضطر أي ألجأتْه الضَّرورَةُ، وَلَيْسَ المَعْنى أَنَّهُ اضطرَّ غيرَه، فإذا جعلنا (مضطر) اسْم فاعل صارَ بمعنى مضطرّ لغيرِه، والأَمْرُ ليس كذلك، بل المُراد مَن أصابته الضَّرورَةُ، ولهَذَا تجد فِي الْقُرْآن:{إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}[الأنعام: ١١٩]، اضْطُرِرْت مبنيّ للمَفْعُول، ما قَالَ: إِلَّا ما اضْطَرَرتم.
وعلى هَذَا يُقَال أيضًا:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ}[الأنعام: ١٤٥]، يَعْنِي: ألجأتْه الضَّرورَةُ، وهنا {الْمُضْطَرَّ} اسْم مَفْعُول، ولا تصحُّ أن تكون اسْم فاعلٍ؛ لِأَنَّ المُراد به من ألجأته الضَّرورَة إِلَى دعاءِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وهناك أمثلة كثيرة مِنْهَا (مختار) هل معناه اختارَه غيرُه أو اختار غيرَه؟ من حَيْثُ الوضعِ البنائيّ يَصِحّ ويمكن، لكِن السياق يعيِّن، وذلك أن أصل مختار اسْم الفاعلِ منه مُخْتَيِرٌ، واسم المَفْعُول مُخْتَيِرٌ وكلاهما لَا بُدَّ أن نقلبَ الياء ألفًا؛ لِأَنَّهَا متحرِّكة مفتوحٌ ما قبلها، والياء المتحركة المفتوح ما قبلها يَجِب قلبها ألفًا، وأيضًا (محتاج) لا ندري هل هُوَ محتيج أو النَّاس يَحتاجون إليه، وأيضًا مضطرّ لا ندري هل هُوَ نفسه ألجأته الضَّرورَة أو أَنَّهُ هُوَ يضطرُّ النَّاس.
وقوله:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ} ما قيَّد بالمُسْلِم، والله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يجيب دعوةَ المضطرّ ولو كَانَ كافرًا؛ لِأَنَّ رحمتَه سبقتْ غَضَبَهُ (١)، وهاهنا داعيان لَا بُدَّ أن يُحَابا: المضطر والمظلومُ؛ لقولِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ
(١) رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ}، حديث رقم (٧٠١٥)؛ ومسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، حديث رقم (٢٧٥١)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.