به بكلِّ حالٍ. أَمَّا انقسامهما من حَيْثُ الكراهةُ والبُغْضُ للهِ فنَقُولُ: كلاهما محبوبٌ ومكروهٌ للهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
فالحكم الشَّرْعِيُّ منه محبوبٌ ومنه مكروهٌ، بمعنى المحكوم به، يعني مثلًا حَكَمَ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بتحريمِ الزِّنَا لِأَنَّ الزِّنَا مكروهٌ إليه، وحَكَمَ بوجوبِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الصَّلَاة محبوبة إليه، وَأَمَّا نفسُ الحُكْم الَّذِي هُوَ فِعْلُه فهَذَا أمر معروفٌ أنَّهُ ما حَكَمَ بهَذَا الشَّيْءِ إِلَّا وَهُوَ يحبُّ أن يَكُونَ كذلك؛ فيحب ترك الزِّنَا ويحب فِعْلُ الصَّلَاة.
أمَّا بالنِّسْبَةِ للإحْكَام، فالإحكامُ بمعنى الإتقان، وهو الحِكْمة، أي تَنْزِيل الأَشْيَاء فِي مَنَازِلها ووَضْعها فِي مَوَاضِعها، فلَا شَكَّ أنَّ هَذَا إتقانٌ، واللهُ تَعَالَى متَّصِفٌ بالحِكْمَةِ البالغةِ، قَالَ تَعَالَى:{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ}[القمر: ٥]، فهي وضعُ الأَشْيَاءِ فِي مواضعها.
وقد ذَكَرْنا فِي التَّوحيدِ ونُعِيده الْآنَ للتذكيرِ؛ أنَّ الحِكْمَةَ تكونُ فِي صورةِ الشَّيْءِ، وَفِي غايته؛ فِي صورة الشَّيْءِ ووقوعِهِ عَلَى هَذَا النحو، وتكونُ أيضًا فِي غايةِ هَذَا الشَّيْء، وتكونُ الحِكْمَةُ فِي الأُمُور الشَّرْعِيَّة وَفِي الأُمُور الْقَدَرِيَّة؛ لِأَنَّ الحُكْمين السابقينِ -الكونيّ والشرعيّ- كلاهما مُشتمِل عَلَى الحِكمةِ، فعلى هَذَا تكون الحِكْمَة فِي الأحكامِ الكونيَّة وَفِي الأحكام الشَّرْعِيَّة، وتكون صوريَّة، بمعنى أَنَّهُ عَلَى هذهِ الصورة المعينة حِكمة، وغائيَّة بمعنى ما ينتج منه من الغايات المحمودةِ.
عندما تَتَأَمَّل الشَّرِيعَة تَجِد أنَّ وَضْعَها عَلَى ما هِيَ عليه فِي غايةِ الحِكْمَةِ؛ لِأَنَّهَا كلَّها تَنْشُدُ المصالحَ وتَدْرَأُ المفاسدَ، هذه القاعدة الْعَامَّة فِي الشَّرِيعَة. إذن فهي عَلَى هَذَا الوجهِ أو بهَذه الصور موافِقَةٌ للحِكمة.