وأشار النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى السَّمَاء حينما أشهدَ ربَّه عَلَى إقرار أُمَّتِهِ بإبلاغ رسالتِه، فقال وَهُوَ يخطب فِي عَرَفَةَ:"أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ " قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ مُشِيرًا إِلَى السَّمَاءِ:"اللَّهُمَّ اشْهَدْ"(١).
فهَذَا دليل عَلَى أن الله فِي السَّمَاء، ويَكُون الاستثناء في قولِه:{مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} متصلًا، وَيكُون {اللَّهُ} بدلًا من (مَنْ) كما إذا قلتَ: ما قام القوم إِلَّا زيدٌ، فإن الاتباعَ أَولى هنا، وإن كَانَ يجوز النصبُ، فعليه نَقُول: الاستثناء متصل وَلَيْسَ فِيهِ إشكال عَلَى عقيدةِ أهل السنَّة والجماعة، وهَذَا هُوَ الصَّحيحُ ولا إشكال فيه.
ومثل هَذَا قوله تَعَالَى:{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ}[الأنعام: ٣]، يعني فِي مجَموعها، وإن كَانَ هُوَ في السماءِ؛ لأنّ قوله:{فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} ظرف لمجموع الاثنينِ، فَهُوَ يقين أَنَّهُ لا يخرج عنْ الِاثنينِ، لَكِنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي واحدٍ منهما، بدليلِ العقلِ والنقلِ، كما تقول: فلان أميرٌ فِي مكَّةَ والمَدينَةِ، وإن كَانَ فِي واحدةٍ منهما، فالمَعْنى أن إمارتَه ثابتةٌ فِي مجموعِهما، وَلَيْسَ المَعْنى أَنَّهُ فِي كلا المكانينِ فِي هَذَا وَفي هَذَا، فلا يُمْكِن أن يَكُون فِي المَدينَةِ وَفي مكَّة، بالنِّسْبَةِ لهَذَا الأميرِ، فهنا الألوهية ثابتةٌ فِي السَّماوَات وَفِي الْأَرْض، وإن كَانَ جَلَّ وَعَلَا فِي السَّمَاءِ، بل فوق السَّمَاء، وَلَيْسَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا فِي السَّمَاء السابعةِ، فهُوَ فوقَها عَلَى العَرْش، وبينَ العَرْش وبينَ السَّمَاءِ مسافات اللهُ أَعْلَمُ بها، فالمَعْنى (في السَّمَاء) أي فِي هَذِهِ الجهةِ، مثل قوله:{وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا}[نوح: ١٦]، أي فِي جهتينِ.
(١) رواه البخاري، كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، حديث رقم (١٦٦٥)، عن ابن عمر - رضي الله عنه -؛ ومسلم، كتاب الحج، باب حجة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، حديث رقم (١٢١٨)، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -.