للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أيضًا نشكّ فِي أن هَؤُلَاءِ اليهود الموجودين من بني إسرائيلَ، لا ندري لعلَّهم من أوربَّا أو من غيرها من البلاد الَّتِي ليستْ من بني إسرائيل، لكِن عَلَى كُلّ حالٍ فمثلما العرب الْآنَ يعتبرون العروبةَ بالعربيَّة، فيَقُولُونَ: مَن نطق بالعَربِيَّة فَهُوَ عربيّ، وإن كَانَ أصله أعجميًّا، فأولئك أيضًا يَقُولُونَ: مَن نطقَ بالعِبْرِيَّة فَهُوَ إسرائيليّ، وإنْ لم يكن من بني إسرائيلَ، ولهَذَا نحن نَجْزِم أن الطائفةَ الْآنَ الَّتِي تُسمَّى اليهود ليستْ كلها من بني إسرائيلَ، بل إِنَّمَا يَنتمون إِلَى هَؤُلَاءِ القومِ باعتبار الجامعِ بينهم وهو اللُّغة.

قوله: {يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي}: {أَكْثَرَ الَّذِي} لم يقلْ: كُلّ الذي، بل قَالَ: {أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فما الَّذِي يَخْرُج من الأكثرِ؟

يخرجُ الأقلّ، وذلك أن الْقُرْآن إِنَّمَا قصَّ عليهم ما فِيهِ مصلحة، أَمَّا ما لا مصلحةَ فِيهِ فَإِنَّهُ لا يَقُصُّه؛ لِأَنَّ الْقُرْآن كما تَعْلَمون هُدًى، وكل ما فِيهِ فَإِنَّهُ له معنًى ومقصود، فالشَّيْء الَّذي اختلفوا فيه وَالَّذِي لا فائدةَ منه لا يُقَصُّ عليهم، مثلًا اختلفوا فِي لونِ الكلبِ لأصحابِ الكهفِ، فهَذَا لا فائدة فِيهِ فائدة. كذلك اختلفوا فِي أَشْيَاءَ كثيرةٍ من هَذَا النوعِ ما قَصَّها الْقُرْآنُ، مثل البقرة الَّتِي أُمروا بذبحها، فقد اختلفوا مَن هِيَ له، فقيل: إنَّهَا لإِنْسَانٍ بارّ بابنِه، وَقيلَ: إنَّهَا لشيخ كبير، وَقيلَ أَشْيَاء كثيرة، لكِن هَذَا لا فائدة منه، فأكثر {أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} مما فِي ذِكره فائدة لهم ولغيرهم يَقُصُّه هَذَا الْقُرْآن ليحكمَ بينهم.

ومن ذلك ما قصَّ عليهم فِي شأنِ عِيسى، فإنَّ عِيسَى كما هُوَ معروفٌ اختلفَ فِيهِ بنو إسرائيلَ، فمِنهم مَن كَذَّبه وأنكرهُ وزَعَمَ أنَّ أُمَّه بَغِيٌّ، ومنهم مَن غَلَا فِيهِ

<<  <   >  >>