وَأَمَّا فِي الآخِرَةِ فَهُوَ ما يَتَرَتَّب عليه الثوابُ والعقابُ.
وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{يَقْضِى بَيْنَهُمْ} كغيرِهِم يومَ القيامةِ]، لا يَتعيَّن أن يَكُون هَذَا القضاءُ يومَ القيامةِ، بل قد يَكُون فِي الدُّنْيا أيضًا، فإن القضاءَ كما يَكُون يومَ القيامةِ يَكُون أيضًا فِي الدُّنْيا.
وقد قَضَى بينهم فِي الدُّنْيا بما أنزلهُ فِي كتابِهِ، وبَيَّنَ الَّذِينَ عَلَى حقٍّ والَّذِينَ عَلَى باطلٍ من بني إسرائيلَ، وهَذَا نوعٌ منَ القضاءِ، ويومَ القيامةِ يَقضي بينهم قضاءً يَتَرَتَّب عليه الثوابُ؛ إمَّا بالعقوبةِ وَإمَّا بالإحسانِ.
فالحاصل: أن قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ} لا يَتعيَّن أن يَكُون يوم القيامة كما قيَّده به المُفَسِّر؛ لِأَنَّ القضاءَ كما يَكُون فِي الآخِرَةِ يَكُونُ فِي الدُّنْيا.
وقول المُفَسِّر:[كَغَيْرهِم] يفيد أن القضاءَ يومَ القيامةِ لَيْسَ بينَ بني إسرائيلَ فقطْ، بل بينهم وبين غيرهم، وهَذَا أمرٌ لَا شَكَّ فِيهِ ولا حاجةَ إِلَى تقديره؛ لِأَنَّهُ ما دام السياق فِي بني إسرائيلَ فإن كلمةَ (كغيرهم) لا يَنبغي أنْ تُقْحَم فِي هَذِهِ الآيَة؛ لأنك إذا أقحمتَ كلمة (كغيرهم) يَكُون كالاعتراضِ عَلَى الْقُرْآن؛ لِأَنَّ معناه أن المَقامَ يَقتضيه ولكِنه لم يبينْ. فنَقُول هنا: لا حاجة إِلَى تقديرِ: (كغيرهم) بل هُوَ يَقضي بينهم. والآيَة هنا لم تَتَعَرَّض للقضاءِ العامّ، وَأَمَّا القضاء العامّ فَهُوَ مستفادٌ من آيَاتٍ أُخرى.