قوله:{وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ}: {الصُّمَّ} مَفْعُول أوَّل، {الدُّعَاءَ} مَفْعُول ثانٍ، وفاعل {تُسْمِعُ} مُسْتَتِر وُجُوبًا، قال:{وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} يَعْنِي: لا تجعل الصُّمّ الَّذِينَ لا يَسمعون لا تَجْعَلهم يَسْمَعُون دعاءَكَ، والمُرادُ بالدعاءِ الطَّلَب، لَيْسَ دعاء الله، يعني لو دَعَوْتَ أصمّ وقلتَ: يا فلانُ يا فلانُ؛ فإنه لا يسمع.
وقوله:{وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} هل هُوَ دعاء الله تَعَالَى، يعني أنك إذا دعوتَهم لا يسمعون، أو الدعاء طَلَبهم؟
نَقُول: المُراد طلبهم، فالمُراد: لو دَعَوْتَهم ما سَمِعوك، قَالَ الله تَعَالَى:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}[النور: ٦٣]، يعني دعوتكم إيَّاه، ودعوته إيَّاكم، فيشمل الأَمْرينِ عَلَى القَوْلِ الصَّحيحِ.
أيضًا إذا كانوا صُمًّا ووَلَّوْا مُدْبِرِينَ يَكُون هَذَا أبلغَ؛ لِأَنَّ الأصمَّ إذا كَانَ مُقابلًا لكَ ربَّما يَفْهَمُ الخِطَابَ بحركاتِ الشفتينِ، لكِن إذا وَلَّى مُدْبِرًا لو تَرْمِي المدافِعَ خَلْفَه لا يَسْمَعُ، ولهَذَا قَالَ:{وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}، وهَذَا غاية ما يَكُون مِن بُعْدِ السمع؛ والحقيقةُ أنَّ هَؤُلَاءِ حالهُم كحالِ هَؤُلَاءِ الصُّمِّ المُدْبِرِين؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مُعْرِضون عنِ الْحَقَّ غير قابلينَ له، فلذلك صار هَذَا التشبيهُ بهم من أبلغِ ما يَكُونُ، فهُم صُمٌّ غيرُ سامعينَ، ومع ذلك غيرُ مُقْبِلِينَ؛ لِأَنَّ الأصمَّ إذا أقبلَ عليك كما قلتُ رُبَّما يَفْهَم منك بعضَ الشَّيْءِ، لكِن إذا كَانَ مُدْبِرًا فليسَ فِيهِ رجاءٌ ولا أَمَل، فقوله:{وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} أقربُ ما يَكُونُ للتمثيلِ والتشبيهِ، يعني شَبَّهَهُم برجلٍ أصمَّ وَلَّى مُدْبِرًا، فكونها تَشبيهًا أقربُ، وإلَّا هنا يجوزُ أنْ نَقُولَ: إنَّهُم صُمٌّ وإنَّ السمعَ انتفَى عنهم لانتفاءِ فائدتِهِ، والشَّيْء قد يُنْفَى لانتفاءِ فائدتِهِ كما فِي قولِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (٢١)} [الأنفال: ٢١].