للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهم يُحْشَرون فيُجْمَعُون ثُمَّ بعدَ ذلكَ يُوزَعُونَ، والوَزْعُ بمعنى المنعِ، أي: يُحْبَس أَوَّلهم حَتَّى يجتمعَ به آخِرُهم، ولهَذَا قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [بِرَدِّ آخِرِهم إِلَى أوَّلهم]، أي: يُجْمَع الأوَّلُ إِلَى الآخِرِ، فيَكُونون زُمرة واحدةً [ثُمَّ يُساقُونَ]، إِلَى اللهِ تبَارَكَ وَتَعَالى [{حَتَّى إِذَا جَاءُوا} مكانَ الحسابِ {قَالَ} تَعَالَى لهم: {أَكَذَّبْتُمْ} أَنبيائي {بِآيَاتِي}].

المُفَسّر قَالَ: [أنبيائي]، يُشِير بذلك إِلَى أن مَفْعُول (كَذَّبْتُم) محذوفٌ، وأن {بِآيَاتِي} حَالٌ من أنبيائي، ولكِنَّ هَذَا التَّقْدير لا مَعنى له ولا داعيَ له؛ لِأَنَّ التكذيبَ دائما يقع معمولُه مُعَدًّى بالباء: كذب بآيَات الله، ما يقال: كذب أنبياء الله بآيَاتِ الله؛ بل: كذب بآيَاته، والتكذيب هنا مُضَمَّن معنَى الجَحْدِ، فعليه نَقُول: لا حاجةَ إِلَى تقديرِ المُفَسِّر: أَنبيائي، بل نَقُول: {بِآيَاتِي} جارّ ومجرور متعلِّق بِ (كَذَّبْتُم).

قو له: {أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي} يعني أَنْكَرْتمُوها وجَحَدْتمُوها.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَلَمْ تُحِيطُوا} من جِهَة تَكْذِيبِكُم {بِهَا عِلْمًا}]، إِلَى آخِرِه، قوله: {وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا} انظر إِلَى المُفَسِّر كيف حَلَّها: [مِن جِهَة تكذيبكم {بِهَا عِلْمًا}]، والإحاطةُ بالشَّيْءِ بمعنى إدراكِه من جميعِ الجوانبِ، وأصله مشتَقّ منَ الحائطِ، لِأَنَّهُ يحيط بالمكانِ، فمعنى أحاطَ بالشَّيْءِ: أَدْرَكَهُ منْ جميعِ جوانبِهِ.

المُفَسِّر فَسَّرَ هنا الإدراكَ بِقَوْلِهِ: [من جهة تكذيبكم]، أي: أَنَّكُم كذَّبتم من غيرِ أنْ يَكُونَ لديكم عِلْمٌ بالتكذيبِ، كَذَّبْتُم بلا علمٍ، ولكِن يَحتمِل معنًى آخرَ: أنكم كذَّبتم بالآيَاتِ قبلَ أنْ تُدْرِكُوها، فيَكُون هَذَا منَّ البدار بالشَّيْءِ قبل أن يُدْرِكَه، كما قَالَ ابن القيِّم (١):

إنَّ البِدَارَ برد شيءٍ لم تُحِطْ ... عِلمَّا بَه سَبَبٌ إِلَى الحرْمَانِ


(١) الكافية الشافية (ص: ٣٠٥).

<<  <   >  >>