الآن لدينا تفسيرانِ: أحدهما أنَّ قولَه: {وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا} أي مِن جِهَةِ تَكذيبكم، والمَعْنى عَلَى هَذَا أنَّكم كذَّبتم بدونِ عِلمٍ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عليه المُفَسِّر، قَالَ؟ [{وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا} من جِهَة تَكذِيبِكم].
الآن إذا أتاكَ رجلٌ بخبرٍ فقلتَ: كَذَبْتَ، يعني مثلًا قَالَ لك: إنَّ فلانًا رأيته فِي بُرَيْدَةً - مثلًا - أمسِ. فقلتَ له: كذبتَ؛ لِأَنَّ فلانًا الَّذِي أخبرتَ به هُوَ موجود عندي فِي تلكَ الساعةِ، فهنا أنتَ قدْ كَذَّبْتَ بعلمٍ وليسَ بغيرِ علمٍ، فإذا قَالَ: رأيتُ فلانًا فِي بريدة أمسِ. فقلتَ له: كذبتَ وأنا لا أَدري، فقد كَذَّبْتَ بلا علمٍ.
الآن المُفَسِّر يَقُول:[من جِهة تكذيبكم بها]، يعني أنكم كَذَّبْتُم بغيرِ علمٍ. ويوجد رأيٌ آخرُ يَقُول:{وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا} يعني أنكم كَذَّبْتُم بها من غيرِ رؤيةٍ ومن غيرِ تأمُّلٍ، يعني أَنَّكم رَددتُمُوها من أوَّلِ وهلةٍ، فيَكُون كقولِهِ تَعَالَى:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}[الأنعام: ١١٠].
والفرق بين المعنيينِ ظاهر، والأقربُ المَعْنى الثاني؛ لِأَنَّ قولَه: كَذَّبْتُم بآيَاتي والحالُ أنكم لم تُحِيطوا بها عِلمًا أبلغُ مِن كونهم كَذَّبُوا بعدَ أنْ ترَوَّوْا ولكِن لم يَجِدوا لِتكذيبهم دليلًا، فهم كذَّبوا من غيرِ ترَوٍّ، بل إنَّهُم فِي الحقيقةِ وخُصوصًا الرؤساء منهم يَعْلَمُون أن ما جاءت به الرُّسُل فَهُوَ الحقّ، ولكِن كذَّبوا بشيءٍ لم يُحيطوا بعلمِه، مِثلما قَالَ الله:{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ}[يونس: ٣٩]، بل من أوَّل وهلةٍ، وهَذَا أشدُّ فِي اللَّوم عليهم.
فعليه: الاسْتِفْهامُ فِي قوله: {أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي} يَكُون للتوبيخِ واللَّوم؛ لِأَنَّ من كذَّب بالشَّيْء بَعْد دراسته والإحاطة به ثُمَّ يتبين له الكذِب هَذَا لا يُلام عليه، لكِن