الليلةَ كانت باردةً، وما أحوجَ الضالَّ للطريقِ فِي ليلةٍ باردةٍ إِلَى نارٍ يَصطلي بها، وإلى أهل نار يُخبِرونه عن الطريقِ؛ لِأَنَّ النَّار معلومٌ أَنَّهَا ما تكون وحدَها، لَا بُدَّ أن عندها أحدًا يُخْبِر.
قوله رَحِمَهُ اللَّهُ:[أي: شُعلة نار فِي رأس فَتيلة أو عُود]. هَذَا الشهاب القَبَس، والقبس الَّذِي يُقتبس منه، وهَذِهِ تكون كما قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ شُعلة نار فِي رأسِ فَتيلة أو عودٍ.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} بالطاء بدل تاءِ الافتعالِ من صَلي بالنَّار بكسرِ اللامِ وفتحها -صلَى- تَسْتَدْفِئون مِنَ البَرْدِ]، وما أحلى النَّارَ الَّتِي يَصطلي بها الْإِنْسَان فِي حالِ البردِ، ولهذَا يَقُول المثل:(النَّار فاكهة الشتاء، والمُكَذِّبُ يَصْطَلي)، وهذا صحيحٌ ومشاهَدٌ.
ذهب موسى - صلى الله عليه وسلم - وبقِيَ أهلُه فِي هَذَا المكانِ، وذهب هُوَ وحدَه إِلَى النَّارِ لعلَّه يأتيهم بالخبرِ أو بالشِّهاب.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما الحِكْمَة فِي كون موسى - صلى الله عليه وسلم - أُري هَذه النَّار فِي هَذَا المكان؟
فالجواب: لعلَّ من الحِكْمَةِ أنَّ ذلك المكان بالذاتِ فِي الوادي المقدَّس، فهَذَا الوادي مبارَك ومقدَّس، فصارَ ابتداء الوحيِ من ذاكَ المكانِ، وَأنَّهُ كَانَ - صلى الله عليه وسلم - بعيدًا منه، وموسى - صلى الله عليه وسلم -.