للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [من إسرافيلَ] بَيَان للنافِخِ، يعني الَّذِي يَنْفُخ هُوَ إسرافيل، ولكِنَّه لا يَنْفُخ بإرادتِهِ هُوَ، بل بإرادةِ اللهِ، وإسرافيلُ هُوَ أحَدُ حَمَلَة العَرْش، وَهُوَ أحدُ الملائكةِ الثلاثة الَّذِينَ يَسْتَفْتِح بهم النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صلاةَ الليلِ، والثاني جَبرائيلُ، والثَّالث مِيكَائيل (١)، والحِكْمَةُ من ذلكَ أن هَؤُلَاءِ الثلاثة كُلّ مِنهم مُوكَّل بحياةٍ، فجبرائيل موكَّل بالوحيِ الَّذِي به حياةُ القلوبِ، وميكائيلُ بالقَطْر والنباتِ الَّذِي به حَياة الْأَرْض، وإسرافيلُ بالصُّور الَّذِي به حياةُ الأجسادِ، ومناسبةُ الافتتاحِ فِي صلاةِ الليلِ ظاهرةٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ قد بُعِثَ الْإِنْسَانُ بعدَ مَوته أو بعدَ وَفاتِه بالنومِ، فهَذ حياةٌ تُناسِب أنْ يَبْتَدِئَ هَذِهِ الصَّلَاة الَّتِي هِيَ بعدَ الحياةِ بِمَن وُكِّلوا بالحياةِ، وطبعًا هَذَا من بابِ التوسُّل، لأنك تقول: "اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ ... إلخ".

قوله: {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} مَن فِي السَّماوَات ومَن فِي الْأَرْض مِن عُقَلاء وغَيْرِهم، وجاءت (مَن) تَغليبًا؛ لأنَّ العاقلَ أشدُّ فَزَعًا من غيرِ العاقلِ؛ لِأَنَّ العاقلَ يَفْزَع للحاضرِ والمستقبَل، وغير العاقل للحاضرِ فقطْ ولا يُهِمُّه المستقبَل، ولهَذَا لو سَمِعْتَ صَدمةَ لِصّ فِي البابِ قويَّة وعندك صَبِيّ، كلكم يَفْزَع من هَذِهِ الصدمةِ القويَّة، لكِن الصبي إذا انتهتِ الصدمةُ وَقَفَ ولم يكن فِي قلبه أيّ شَيْء أبدًا، وأنت تفكِّر فِي المستقبل وتخاف، فلهَذَا غلبَ العقلاءُ فِي قولِه: (مَن) فِي جانبِ الفَزَعِ؛ لِأَنَّ فزعَهم أعظمُ، يَكُون للحاضرِ والمستقبلِ.

وهنا قَالَ: {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} وَفِي آيَةِ الزُّمَر: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: ٦٨]،


(١) رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، حديث رقم (٧٧٠)، عن عائشة أم المُؤْمِنيِنَ - رضي الله عنها -.

<<  <   >  >>