للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهل هما نفختانِ، فإذا جمعتَ إِلَى الثَّالثةِ {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} صارت ثلاثَ نَفَخَاتٍ، أو أن نفخة الفَزَع والصَّعْق واحدة، وأن النَّاس يَفْزَعون أوَّلًا ثُمَّ يموتون؛ أي: فزَع يليه الموت؛ لِأَنَّ الظَّاهرَ - واللهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ إذا نُفِخَ يَكُونُ صوتٌ عظيم مُمْتَدّ، فيَفزعون ثُمَّ يَموتون، مثل الصَّيْحَات الَّتِي يُصاح بالمجرمينَ كالتي أَخَذَتْ ثمودَ؟

هَذِهِ المسألةُ اختلفَ فيها أهلُ العلمِ، فمنهم مَن يَرَى أنَّ النَّفَخَات ثلاثٌ: نفخةٌ يَفزع النَّاسُ وَيتَأَهَّبُون وَيكُونون عَلَى حَذَر، ثُمَّ أُخرى للصَّعْق فيموتون، ثُمَّ ثالثة للبَعْث.

وَقِيلَ: إنّ نَفْخة الفَزَع بعدَ نَفْخَةِ الصَّعْق والبَعْث، وإنهم يَصْعَقُون، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: ٦٨]، ثُمَّ يُنفخ ثالثة فيَفْزَعون إِلَى الداعي، لكِن هَذَا القَوْل ضعيفٌ، فالمشهورُ القَوْلانِ السابقانِ.

وهل هِيَ ثلاثٌ: فَزَع ثُمَّ نفخةٌ أُخْرَى فيها الصَّعْق ثُمَّ نفخةٌ ثالثةٌ فيها البعثُ، أو هما نفختانِ: نفخةٌ فيها فَزَع وصَعْقٌ، ونفخةٌ فيها البَعْث؟

الأخيرُ هُوَ الأقربُ؛ لِأَنَّ حديثَ أبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - يَدُلّ عَلَى هَذَا، فَإِنَّهُ ذكر النفختينِ وذكرَ أن بينهما أربعينَ، قيلَ له: يوم أو شهر أو سَنة؟ قَالَ: أَبَيْتُ (١). ولم يُبَيِّنْ؛ لِأَنَّهُ لا يَعْلَم؛ لِأَنَّهُ - رضي الله عنه - سَمِعَ منَ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - أربعينَ، ولا يعلمُ هل هِيَ أربعونَ يومًا أو سنة أو شهرًا.

وبعد هَذِهِ النفخةِ الَّتِي هِيَ الفَزَع والصَّعْق يُرْسِل اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَطَرًا كأَنَّه الطَّلّ، والطَّلُّ معروفٌ، وهُوَ النَّدَى الَّذِي يَنْزِل منَ السَّمَاءِ عندَ الصَّحْو فِي الليلِ،


(١) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا}، حديث رقم (٤٦٥١)؛ ومسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ما بين النفختين، حديث رقم (٢٩٥٥).

<<  <   >  >>