أو أَنَّهُ الرذاذ الخفيفُ جدًّا، قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} [البقرة: ٢٦٥]، ثُمَّ تنبُت الأجسامُ بإذنِ اللهِ من هَذَا الماء، تنبت وهي فِي القبورِ، فإذا تكاملَ نَباتها نُفِخَ فِي الصُّور النفخة الثَّانِيَة، وحِينَئذٍ تَخرُجُ الأرواحُ وتعودُ إِلَى أجسامها، فيخرجُ النَّاسُ مِنَ القُبُور، وَلَيْسَ كما يَتَوَهَّم بعضُ النَّاس أَنَّهُم يَنْبُتُون عَلَى قُبُورهم، بل هم يَنْبُتُون فِي القبورِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا} [ق: ٤٤].
فمعنى ذلك أَنَّهُم يُخْرَجُون منَ القبورِ وهم مُسْرِعون، فهم أحياء، وهَذَا بعدَ تكامُلِ أجسادهمْ فِي القبورِ، ثُمَّ إن هَذَا أيضًا مُقْتَضَى القِيَاس فِي بَدْءِ الخَلْق؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتكامَل خَلْقُه فِي بَطْنِ أُمِّهِ ويَخْرُج حيًّا، والْأَرْض للإِنْسَانِ مثل بَطْن الأُمّ له، واللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَكِيم، قَالَ تَعَالَى: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الفتح: ٢٣]، أفعاله دائمًا تكونُ متناسبةً، لَيْسَ فيها تناقُضٌ ولا تنافُرٌ.
قوله: {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} حَتَّى الملائكة يَفْزَعون، وكذلك يَصْعَقُون: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الزمر: ٦٨].
قوله: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} يَقُول المُفَسِّر: أخافُوا الخوفَ المُفْضِيَ إِلَى الموتِ؛ كما فِي آيَةٍ أُخْرَى {فَصَعِقَ}]، فعلى هَذَا يَكُون رأيُ المُفَسِّر أنهما نَفختانِ؛ الأُولَى تَتَضَمَّن الفزعَ والصَّعْق.
ثم قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [والتعبيرُ فِيهِ بالماضي لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ]، ف (فَزِعَ) فِعلٌ ماضٍ، و (يُنْفَخ) مضارعٌ، وَلَيْسَ الكَلام فِي (يُنْفَخ)؛ لِأَنَّ المضارعَ للمستقبلِ، لكِن قوله: {فَفَزِعَ} ولم يقلْ: (فيَفْزَع).
يَقُول المُفَسِّر: [لِتَحَقُّق وقوعه]، والشَّيْء المتحقّق الوقوعِ كالماضي، ولهَذَا قَالَ الله تَعَالَى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: ١]، فكيف أَتَى واللهُ تَعَالَى يَقُول:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute