للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلا تَستعجلوه؛ إذنْ ما أَتَى ما دام أَنَّهُ فلا تَسْتَعْجِلُوه، فمعناه أَنَّهُ لم يأتِ، فعبَّر ب (أتى) لِتَحَقُّقِ الوقوعِ ولقُرْبِهِ أيضًا، كَأنه لِقُرْبِهِ شَيْء حَصَل، فهنا ذكر {وَيَوْمَ يُنْفَخُ} بلفظِ المضارعِ لِأَنَّهُ لم يكنْ، وذكر الفزعَ الَّذِي يَتَّصِف به النَّاس بلفظِ الماضي كأنه شيءٌ قد وَقَع بهم.

قوله: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} عَيَّن المُفَسِّر هَذَا المُبْهَم فقال: [أي جِبريل وميكائيل وإسرافيل ومَلَك المَوْت]، هَؤُلَاءِ أربعةٌ، [وعنِ ابنِ عبَّاس: هُمُ الشُّهَدَاء (١)؛ إذ هم {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: ١٦٩]]، فيَكُون المستثنَى خمسة، هَكَذَا قَالَ المُفَسِّر، وهَذَا يَحتاجُ إِلَى توقيفٍ وَنَصٍّ، إذا كَانَ النَّبِيّ عَلَيْهِ الصًلَاةُ وَالسَّلَامُ لا يَدْرِي، فمَنِ الَّذِي يَدْرِي! أخبرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنه: "أَوَّلُ مَنْ يُفِيقُ، فَيَجِدُ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ آخِذًا بِقَوَائِمِ العَرْش أَوْ بقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِهِ، يَقُولُ: فَلَا أَدْرِي أَجُوزِيَ بصَعْقَةِ الصُّورِ أَمْ هُوَ أَفَاقَ قَبْلِي" (٢).

إِذَنِ: الرَّسُول لا يَدْرِي مَنِ المُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّهُ لم يعلم أنْ يَكُونَ موسى مِمَّنِ استثنى اللهُ، ولو كَانَ عنده علمٌ بهم لعَلِمَ مثلًا أن موسى لَيْسَ منهم أو أنَّهُ مِنهم، فإذا كَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يعلمْ فغيرُه من باب أَوْلَى.

ولهَذَا الصَّوابُ أَنَّهُ يجبُ علينا أنْ نُبْهِمَ ما أبهمهُ اللهُ، إِلَّا إذا جَاءنا عنِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - فإنَّ الله يقولُ: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: ٢٦، ٢٧].


(١) تفسير ابن رجب الحنبلي (١/ ٢٦٨).
(٢) رواه البخاري، كتاب الديات، باب إذا لطم المسلم يهوديًّا عند الغضب، حديث رقم (٦٥١٩)؛ ومسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى - صلى الله عليه وسلم -، حديث رقم (٢٣٧٣)، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>