قولِه:{هَلْ تُجْزَوْنَ}. والتعبيرُ عن الجزاءِ بالعَمَلِ نفسه مبالغةٌ فِي العدلِ؛ بحيثُ يَكُون جزاؤك عَمَلَكَ.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ:[مِنَ الشِّرك والمَعاصِي]، هَذَا ما ذهبَ إليه جمهورُ أهلِ العلمِ، وَهُوَ الصَّوابُ؛ أن الكافرَ يعاقَب عَلَى أصلِ الكفرِ وَعَلَى المَعاصِي أيضًا الَّتِي عَمِلها، فالمشركُ إذا زَنَا وسَرَقَ وشَرِبَ الخمرَ يُعاقَب عَلَى ذلك، فيعاقَب عَلَى الأَصْلِ والفرعِ، واستدلُّوا لذلكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: ٤٠ - ٤٦]. فالصدقةُ ليست من الأصول، والصَّوابُ أنَّ الصَّلَاةَ مِنَ الأُصُول وأن تاركها يُكَفَّر، لكِن الصَّدَقَة ليستْ منَ الأصولِ، حَتَّى الزكاة عَلَى القَوْلِ الصَّحيحِ لا يُكَفَّر تَارِكُها، ومعَ ذلك ذَكَرُوا أَنَّهَا من أَسْبابِ دُخُولِهمُ النَّارَ، ولولا أنَّ لها تأثيرًا فِي الجزاءِ ما صارتْ منَ الأَسْبَاب.
وهَذَا دليلٌ عَلَى أَنَّهُم يعاقَبون عَلَى فروعِ الإِسْلامِ كما يُعاقَبون عَلَى أصولِهِ، وَعَلَى هذا فيعاقبون عَلَى معاصيهم الَّتِي دونَ الشركِ، وهَذَا بلَا شَكّ كمالُ العدلِ؛ لأَنَّهُ إذا كَانَ المسلمُ يعاقَب عليها فكيف بالكافر؟ ! هل تكون للمسلمِ نِقْمَة وتكون للكافر نعمة؟ ! لا، بل أبلغُ من ذلك الكافر يعاقَب حَتَّى عَلَى المباحِ للمؤمنِ، قَالَ الله تَعَالَى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[الأعراف: ٣٢]. ففُهِم من قوله:{خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أَنَّهَا لغير المُؤْمِنيِنَ ليستْ خالصةً، وأنهم سيُجازون عليها.
وهَذَا أيضًا مُقتضَى النظر؛ إذ كيف يَتَنَعَّمُ الْإِنْسَان بنِعَمِ الخالقِ وَهُوَ يَعصي الخالقَ، لَا بُدَّ أن يعاقبَه، يَقُول: أنا أحسنتُ إليكَ، أَطْعَمْتُك وسَقَيْتُك وكَسَوْتُك