والاسْتِفْهامُ بمعنى النفيِ أبلغُ منَ النفيِ المجرَّد؛ لِأَنَّهُ يَدُلّ عَلَى النفيِ وزيادة. فقولنا: ما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كنتم تعلمون يَدُلّ عَلَى أَنَّهُم لا يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانوا يعملون، لكِن قوله:{هَلْ تُجْزَوْنَ} يَدُلّ عَلَى تقريرِ هَذَا الأَمْرِ، وَأنَّهُ لا يمكن للإِنْسَانِ أنْ يُجازَى إِلَّا بما كَانَ يعمل، وَيكُون فِيهِ تقريرٌ وتقريعٌ فِي نفسِ الوقتِ.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ:[ويُقال لهم تَبكيتًا]: {هَلْ} ما {تُجْزَوْنَ إِلَّا} جَزَاء {مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} منَ الشِّرْك والمَعاصِي]، قوله رَحَمَهُ الله: [{إِلَّا} جَزَاء {مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}]، فِيهِ صرفٌ للفظِ عن ظاهرِه؛ لِأَنَّ قوله:{إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يَقتضي أن يَكُونَ العَمَلُ هُوَ الجزاءَ نفسَه {إِلَّا مَا كُنْتُمْ}، ومن المعلوم أن العَمَل لَيْسَ الجزاءَ، بل الجزاء شيءٌ والعَمَل شيءٌ آخَرُ. فعندما تستأجرُ إِنْسَانًا يعمل لك، ثُمَّ تعطيه الأجرةَ، فعَمَلُه غيرُ أُجرتِهِ.
والعاملُ للهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالى عَمَلُه غيرُ جزائِه، فظاهرُ الآيةِ {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أنَّ الْإِنْسَان يُجزى بعملِهِ، لذلك احتاج المُفَسِّر أن يقدِّر هَذَا المحذوفَ: إِلَّا جزاء ما كنتم تعملون، لكِن ما فِي الآيةِ أبلغُ؛ لِأَنَّهُ من بابِ المبالغةِ فِي العدلِ أنْ يجعلَ الجزاء هُوَ العَمَلَ، كأنَّ الجزاءَ نفسَه عَمَلُك مبالغةً فِي العدلِ، فأنت إذا كنتَ تريدُ ثوابًا كثيرًا فاعمَلْ كثيرًا؛ لأن ثوابَك عَمَلُك.
وأما قوله: [{هَلْ} ما {تُجْزَوْنَ إِلَّا} جَزَاء {مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، ، ففيه أيضًا ركاكة، ما تُجزون إِلَّا جزاءَ العَمَلِ! فمعلوم أن كلمةَ (تُجْزَوْنَ) يُستفاد مِنْهَا الجزاءُ، فلا حاجة إِلَى تقديرٍ.