للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِذَنْ: قوله: {الَّذِي حَرَّمَهَا} فِيهِ إظهارٌ لفضلِ اللهِ تبَارَكَ وَتَعَالى عَلَى ساكني هَذهِ القرية، حَيْثُ جعلَ الله هَذِهِ القريةَ حَرامًا، فقوله: {الَّذِي حَرَّمَهَا} أي جعلها حَرَمًا وجعلها حَرَامًا، وما قلناه أعمُّ ممَّا قَالَ المُفَسِّر؛ لِأَنَّ المُفَسِّر يَقُول: [جعلها حرمًا آمِنًا]، ثُمَّ ذكر الأَشْيَاءَ، فهي حرم وحرام أيضًا، حرمٌ بمعنى أَنَّهَا مُحْترَمَةٌ، وحرام بمعنى أَنَّهَا محرَّمة، لهَذَا مَنْ قَصَدَها فَإِنَّهُ يُشْرَع له بإجماعِ أهلِ العلمِ ألَّا يدخلها إِلَّا مُحْرِمًا، وَفي وجوبه خلاف معروف.

أيضًا من جملة احترامها أن المُشركينَ لا يقربون المَسْجِد الحرامَ، فيَكُون الحرمُ كلّه محرَّمًا عليهم؛ لِأَنَّ دخولهم الحرمَ مِن قُربان المَسْجِد الحرامِ، فلهَذَا كَانَ ذلك احترامًا لهَذِهِ البلدةِ، ومع ذلك يقولُ الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَهُ} قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: {كُلُّ شَيْءٍ} فَهُوَ ربُّه وخالقه ومالِكه]، الجملةُ الأخيرةُ فيها فائدة عظيمة؛ لِأَنَّهُ لما قَالَ: {رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ} قد يَتَوَهَّم مُتَوَهِّم أَنَّهُ تختصُّ ربوبيَّته بهَذه البلدةِ، فأتى بَعْد ذلك بالتعميمِ؛ قَالَ: {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ}. ونظيرُ هَذَا قوله تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد: ١٠]، قَالَ بعدها: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: ١٠]، حَتَّى لا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّم أن ذلك الفضلَ خَاصّ بأولئكَ، فبيَّن أن الجزاء للجميعِ، وَهُوَ الجنَّة، وإنْ كانوا لا يَسْتَوُونَ، ففي قوله: {رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} رُبُوبِيَّة اللهِ عامَّة لكلِّ شيءٍ، لكِن ربوبيَّته لهَذِهِ البلدة أخصّ مِن ربوبيَّتِه الْعَامَّة.

قوله: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، أَمَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ} [الرعد: ٣٦].

قال: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، أليست العِبادَة هِيَ الإِسْلام؟

<<  <   >  >>