الدين عادة، إن تَقَبَّله النَّاس حَسَب عاداتهم صار دينًا، وإن لم يَقبلوه لم يكن دِينًا.
والواجب أن يَكُونَ الدينُ بَعيدًا عن عاداتِ النَّاسِ، بمعنى أن يَكُون الحكَمُ هُوَ الْقُرْآن والسنّة، لا ما يعتاده النَّاس فيما يَفعلونه من عباداتٍ أو غيرها، خِلافًا لبعضِ النَّاسِ الْآنَ الَّذِينَ يريدونَ أن يُتابعوا النَّاس فيما هم عليه ولو كَانَ باطلًا، وهَذَا لَيْسَ بصحيحٍ؛ لأنَّنا لو مَشينا عَلَى هَذَا الأَمْرِ أو عَلَى هَذَا المنهاجِ ما بَقِيَت حياة للإسلام، ويموت منَ الإِسْلامِ جزءٌ فِي هَذَا العصرِ، ثُمَّ يأتي عصرٌ آخرُ فيموت منه جزء آخرُ، وهَكَذَا حَتَّى يَنقضيَ، ولَكِنَّنَا إذا كنا نعمل بالإِسْلام ونجدِّد حسَب ما يَقتضيه الكتاب والسنّة -لا حسَب آرائنا- صار ذلك هُوَ القيادةَ، وَأَمَّا أن نسكت وندُسّ رُؤوسنا فِي الترابِ ونَقُول: هَكَذَا النَّاس ولا يمكن أن نخالفهم، أو نَتَهَيَّب قول بعض النَّاس: طلعتم علينا بدينٍ جديدٍ، هَذَا الدين ما عرفناه من قبلُ، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فإن هَذَا لا يَنبغي أن يمنعَ الْإِنْسَان عن قولِ الحقّ.
ولهذَا قوله:{وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} تلاوة لفظ تقوم به الحجَّة عليكم، وتلاوة اتباع لا أُبالي بمعارضتكم ومخالفتكم، وهَذَا هُوَ الواجبُ عَلَى كُلّ مسلمٍ فِي كُلّ مكان.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: قول الرَّسُول -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا رَأَيْتَ دُنْيَا مُؤْثَرَةً وَشُحًّا مُطَاعًا وإِعِجْاَبَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ"(١) هل ينافي الأَمْرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكر؟
فالإجابة: قوله: "عَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ" لا ينافي الأَمْرَ بالمعروفِ والنهيَ عن
(١) رواه أبو داود، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، حديث رقم (٤٣٤١)؛ والترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة المائدة، حديث رقم (٣٠٥٨)؛ وابن ماجه، كتاب الفتن، باب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، حديث رقم (٤٠١٤)، عن أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه-.