للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المنكرِ لِأَنَّهُ مِن خاصَّتِك، لكِن المَعْنى دَعْهُمْ، أي لا تَهْتَمّ بهم بحيثُ يَشغلونك عما يجبُ؛ لِأَنَّ بعضَ النَّاس يهتم بهَذَا الأَمْر حَتَّى إنَّهُ ينشغل بالنَّاسِ عن نفسه، فتجده حالَ صلاتِه يشعرُ أَنَّهُ يأمرُ فلانًا ويتصوَّر أَنَّهُ واقفٌ عند دكّانٍ ويقول له: صَلِّ، فهَذَا الَّذِي يُنهى عنه.

وأيضا قوله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: ١٠٥]، بعض النَّاس يفهم من هَذِهِ الآية أن الْإِنْسَان إذا أصلحَ نفسه لَيْسَ عليه من إصلاحِ غيرِه، لكِن نَقُول: إن إصلاح غيرك لا يتمَ إِلَّا بإصلاحِ نفسِكَ، فأنت مأمورٌ بالأَمْرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، لكِن إذا ضلوا فإن ضلالهم لا يضرُّك بَعْد أن تقومَ بما يَجِب عليك من الدَّعْوَةِ والأَمْرِ.

لكِن يجوز مراعاة النَّاس بمعنى تدريجِ النَّاسِ حَتَّى يَسْلُكُوا الصراطَ الصَّحيحَ، فمراعاة الحال يعني بالتدريج لا بأس به، ولهَذَا الَّذِي نرى أن الدعاءَ إِلَى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالحِكْمَة يتناولُ هَذَا الأَمْرَ، وهو: نقل النَّاس إِلَى الإِسْلام مرحلةً مرحلةً، وإن كَانَ بعضُ النَّاس يَقُولُونَ: إنَّ هَذَا فِي أول الدَّعْوَة. صحيح أن الإِسْلامَ تطوّر؛ جاءت الصَّلَاة ثُمَّ الزكاة ثُمَّ الصِّيَام ثُمَّ الحج، وحُرِّمَ الخمرُ عَلَى عدَّة وجوهٍ، فالصِّيَام أوجب عَلَى عدّة وجوه، لكِن نَقُول: كما أن هَذَا فِي أوَّل الدَّعْوَة هُوَ أيضًا فِي آخرها، وبَعْثُ معاذٍ كان فِي سنةِ عشرٍ منَ الهجرةِ، ومع ذلك يقولُ: "ادْعُهُمْ أَوَّلًا إِلَى الإِسْلامِ، ثُمَّ إِلَى الصَّلَاةِ، ثُمَّ إِلَى الزَّكَاةِ" (١)، فالرَّسُول رتَّب هَذَا، ما قَالَ: ادْعُهُمْ إليها جميعًا.


(١) انظر: صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- إلى اليمن قبل حجة الوداع، حديث رقم (٤٠٩٠)؛ صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، حديث رقم (١٩)، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.

<<  <   >  >>