فمثلًا لو رَأَيْنا إِنْسَانًا مُنهمِكًا بفعلِ معصيةٍ، وعرفنا أنّنا لو قُلْنَا له: أَقْلِعْ عنها نِهائيًّا، أَنَّهُ لا يتمكَّن، أو أن ينفِر؛ فلا بأس أن نَنْقُلَهُ عنها شيئًا فشيئًا بالتدريج؛ لِأَنَّ هَذَا كمعالجةِ المرضِ، فالمرض لا يُمْكِنُ أنْ تعالجَه مرَّةً واحدةً، فلَا بُدَّ من تَنَقُّل من شيءٍ إِلَي شيءٍ، حَتَّى يَتَمَّ استئصالُ هَذَا المرضِ.
فهَذهِ المسألةُ تعودُ إِلَى حالِ النَّاسِ، وَلَيْسَ معناهُ الاستسلام لحالِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ معنى الاستسلامِ الَّذِي أنكرته قبلُ هُوَ أنْ الْإِنْسَان يَدَعُ النَّاسَ ولا يعارضهم بالحقِّ، أَمَّا هَذَا فلا يدعهم لَكِنَّهُ يُنَقِّلُهم من مرحلةٍ إِلَى مرحلةٍ حَتَّى يَسْتَقِيموا. فمثلًا عندما نريدُ أنْ نعملَ عَمَلًا فِي الصَّلَاة لَيْسَ من عادةِ النَّاسِ، فإنَّ مِنَ الحِكْمَةِ أن نُمَهِّدَ له بالقَوْلِ أوَّلًا، ثُمَّ إذا عَلم به النَّاسُ واستقرَّ فِي نُفُوسِهِم نَقَلْنَاهم بعدَ ذلكَ إِلَى الفِعْل، وهَكَذَا أيضًا غير هَذِهِ المسألةِ.
المهمّ أنّ تلاوةَ الْقُرْآنِ عَلَى النَّاسِ المُعْرِضِين ممَّا أُمِرَ به الرَّسُولُ عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وأُمِرَتْ به الأمَّة كلُّها أيضًا، وتكون التلاوةُ هنا لفظًا واتِّباعًا، ولكِن الشأن كله فِي أنْ لا نتخاذلَ أمامَ الأَمْرِ الواقعِ؛ بل يَجِب علينا أن نكونَ عَلَى وجهٍ أقوى وأشدَّ.
مسألة: ما القَوْل في نقلِ الْإِنْسَانِ من معصيةٍ إِلَى معصيةٍ أُخرى أخفَّ منها؟
الجواب: لا يجوزُ إذا كانتْ منَ الجنسِ، فلو فَرَضْنا أن إِنْسَانًا مُبْتَلى بالزِّنا -والعياذُ باللهِ- وقلنا له: يا أخي مالكَ حَقّ، هَذِهِ الشهوةُ الَّتِي عندك تَستطيع أنْ تُخَفِّفَها بالاستمناءِ مَثلًا، فهَذَا منَ الجنسِ، وَلَيْسَ فِيهِ بأسٌ، فالتي من الجنسِ معناها التخفيفُ؛ لأنك لو نَقَلْتَه إِلَى شيءٍ آخرَ فاتجاهُه الأوَّلُ لا يزولُ فِي الغالبِ، لكِن لو أنَّ واحدًا يَسْرِق ونَقُول: يا أخي اتركِ السَّرِقَة واشْرَبْ خمرًا أحسن لكَ، فهَذَا لا يُمْكِن.