فالتدرُّج طريقٌ، وَلَيْسَ معنى ذلك أنِّي إذا نَقَلْتُه من هَذَا إِلَى أخفَّ أنِّي أُبيح له الأخفَّ؛ لَكِنَّهُ تَدَرُّج، فالتدرُّج هنا لَيْسَ معناه ثُبُوت الحكم عَلَى الدرجةِ الَّتِي نزَّلناه إليها؛ ولكِن معناه أننا نَنْقُلَه من الدرجةِ العُظْمَى إِلَى الأخفِّ، ثُمَّ إِلَى تركها بالكُلِّيَّة، وَأَمَّا قوله تَعَالَى فِي الخمرِ: {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: ٩٠]، فنَقُول: طريق الاجتنابِ هَذَا الَّذِي نَقُول.
{وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} تلاوةً لفظيَّة تقوم بها الحُجَّة عليكم، وتلاوةً عَمَلِيَّة تَطْبِيقِيَّةً يَتَبَيَّن بها أنَّني لستُ بمُبَالٍ بمَن يُخالِفُني فِي هَذَا الأَمْرِ.
وقوله: {الْقُرْآنَ} هُوَ هذا الَّذِي نَزَلَ عليه -صلى الله عليه وسلم-.
وبعد تلاوةِ الْقُرْآنِ قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَمَنِ اهْتَدَى} له]، ولكِن عَلَى تفسيرِ المُفَسِّر يَكُونُ قوله: {اهْتَدَى} بمعنى انقادَ؛ لِأَنَّ {اهْتَدَى} لا يَتَعَدَّى باللامِ؛ بل يَتَعَدَّى بالباءِ: اهتدى به، لكِنَّه ضُمِّن معنى انقادَ، وتَضْمِينُه معنى الانقيادِ لِيَشْمَلَ هدايةَ العلمِ وهدايةَ التَّوفيقِ.
فالذي يَهتدي وينقاد له قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَمَنِ اهْتَدَى} له {فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} أي لِأَجْلِها، فإنَّ ثوابَ اهتدائِهِ لَهُ]، صحيحٌ، فمَنِ اهتدى بهَذَا الْقُرْآنِ وانقادَ له فالمصلحةُ ليستْ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّ اللهَ غَنِيٌّ عنه، وليستْ لفلانٍ ولا لفلانٍ؛ لِأَنَّ كُلّ نفسبى لها ما كسبتْ وعليها ما اكتسبتْ، إذن فَهِيَ لنفسِهِ. وإن كَانَ يَنتفِع الداعي بذلك أيضًا انتفاعَ الدالِّ، فـ "إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ" (١)، لكِن أصل الثوابِ للفاعلِ، فلا يُقَال مثلًا: إنَّ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُو للناسِ لِيَهْتَدُوا فيَكُون له أجرٌ،
(١) أخرجه الترمذي: أبواب العلم، باب ما جاء الدال على الخير كفاعله، رقم (٢٦٧٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute