بل قصده عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الأوَّل هُوَ نَفْعُ الخَلْقِ، ولهَذَا قَالَ: {فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} وإنْ كَانَ النَّبِيّ عَلَيهِ الصَلَاةُ وَالسَّلَامُ يَنْتَفِع باهتدائِهِ، فَهُوَ تَبَع.
قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ الله: [{وَمَنْ ضَلَّ} عنِ الإِيمانِ وأخطأَ طريقَ الهُدَى {فَقُلْ} له: {إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ}]، المُفَسِّر قَدَّر [له]، فِي قولِهِ: {فَمَنِ اهْتَدَى}، وقدَّر هنا كذلك: [{فَقُلْ} له]، والسَّبَب أَنَّهُ يُقَدِّر هنا لأجلِ أنْ يرتبطَ الجوابُ بالشرطِ؛ لِأَنَّ قوله: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى} اهتدى لأيِّ شيءٍ؟ للقرآنِ الَّذِي أَتْلُوه أو بالْقُرْآن الَّذِي أتلوه، وَفِي قوله: {وَمَنْ ضَلَّ} (مَن) شرطية {فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} لا يمكن أنْ يَكُونَ {فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} جوابًا لِقَوْلِهِ: {وَمَنْ ضَلَّ} إِلَّا إذا كَانَ فِيهِ ضَميرٌ يعودُ عليه، ولهَذَا قدَّره بِقَوْلِهِ: {فَقُلْ} له: {إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ}.
فَإِذَا قَالَ قَائِل: ما هِيَ الحِكْمَةُ فِي حَذْفِه؟
قُلْنَا: الحِكْمَةُ فِي حذفِه العمومُ، يعني فقلْ له ولغيرهِ: {إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ}، يَعْنِي أنَّ هَذِهِ الجملةَ الَّتِي هِيَ وصفٌ ثابت للرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- ليستْ خاصَّةً بمَن يَضِلّ، بل مَن يَضِلّ ومَن لا يضلّ؛ يُقَال له: إن الرَّسُول عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ المنذِرِينَ، ومعنى المنذِر المُخَوِّف، قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [المُخَوِّفِينَ، فليسَ عَلَيَّ إِلَّا التبليغُ].
وقوله: {إِنَّمَا أَنَا}: {إِنَّمَا} أداة حصر.
فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: هَذَا يفيد اختصاصَ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- بالإنذارِ، مَعَ أن الله يقولُ: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة: ١١٩].
قُلْنَا: لكِن لكلِّ سِيَاق ما يُناسبه منَ اللَّفظ، فهنا المُخَاطَبُ قومٌ مُنْكِرُونَ، فَكَانَ ذِكْر جانب التخويفِ فِي حَقّهِم أَوْلَى مِنَ الجمعِ بينه وبين التبشيرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute