للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [وهَذَا قبلَ الأَمْرِ بالقتالِ]، المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْلُكُ هَذَا المَسْلَكَ كثيرًا فِي مثلِ هَذِهِ الآيةِ ويقول: إنَّهُ قبل الأَمْرِ بالقتالِ، وهَذَا يَتَضَمَّن أنْ تكونَ الآيَةُ منسوخةً لا يُعْمَل بها، ولكِن هَذَا قولٌ فِي غايةِ الضعفِ، والصَّواب أنَّ هَذَا يُقَال حَتَّى بعدَ الأَمْرِ بالقتالِ، فالنَّبِيّ عَيةَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عليه الإنذار والتبليغ وَلَيْسَ عليه الهدايةُ، والرَّسُول عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يقرأ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ غالبًا أو كثيرًا: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: ٢١ - ٢٢]، {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: ٢٥، ٢٦] (١)، وكيف تكون مثل هَذِهِ الآيات الَّتِي تَتكَرَّر عَلَى المُسلِمينَ فِي جُمُعَاتهم منسوخة.

ثم إنَّ دَعْوَى النسخِ لَيْسَتْ بالأَمْرِ الهَيِّن؛ لِأَنَّ معناها إبطال دلالةِ الآيَةِ أو الحديثِ، وهَذَا يَتَضَمَّن الاعتداءَ عَلَى اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ، ولهَذَا يَجِب عَلَى الْإِنْسَان أنْ يَحْتَرِزَ غايةَ الاحترازِ منْ دعوى النسخِ، وإذا عَجَزَ عنِ الجمعِ فيقول: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: ٣٢]، لكِن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ وغيره كثير منْ أهلِ العلمِ إذا عَجَزُوا عنِ الجمعِ قَالُوا: هَذَا منسوخٌ، وهَذَا مَسْلَكٌ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَلَيْسَ بِسَديدٍ، وَلَيْسَ بصوابٍ، بل هُوَ خطيرٌ.

وقد ذكرَ ابنُ القَيِّم رَحَمَهُ الله أنَّ المنسوخَ فِي الشَّرِيعَةِ لا يَتَجَاوَزُ عَشَرَةَ أحكامٍ (٢)، ولو سَلَكْنَا ما سَلَكَه المُفَسِّر لكانَ المنسوخُ عشراتِ الأحكامِ أو ربما يَبْلُغُ المِئَةَ، وَفي هَذَا خطأٌ عظيمٌ.

فالصَّوابُ أنَّ هَذَا القَوْل {فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} يقال: حَتَّى الْآنَ وحتى


(١) صحيح مسلم: كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الجمعة، رقم (٨٧٨).
(٢) انظر إعلام الموقعين عن رب العالمين (٤/ ١٨٠).

<<  <   >  >>