للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} البيان {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} نصب على المفعول من أجله {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧)}.

قوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ}؛ أي: على سُنّةِ ومِلّةِ ومِنْهاجِ وطَرِيقةِ ودِينِ الإسلامِ {فَاتَّبِعْهَا} يا محمد {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨)} توحيد اللَّه، يعني كفار قريش، والشريعة جمعها شرائع، والشرائع في الدين: المذاهب التي شرعها اللَّه تعالى لعباده، ليعرفوها ويستقيموا عليها، ومنه سُمِّيَتْ شريعة النهر؛ لأنها يُوصَلُ منفا إلى الانتفاع به، والطريقُ الشّارِعُ: المُمْتَدُّ الواضح الذي يَرِدُ به ضرُوبٌ من الناس (١).

قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ}؛ أي: اكتسبوا الكفر والمعاصي، يعني كفار مكة {أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} من بني هاشم وبني المُطَّلِبِ، وذلك أن كفار مكة قالوا للمؤمنين: إنا نُعْطَى فِي الآخرة من الجنة مِثْلَ ما تُعْطَوْنَ، والمعنى: بل أحسب (٢)، وهو استفهام إنكار، ثم قال: {سَوَاءً} نصبًا، جعلوه مفعولًا ثانيًا، تقديره: أن نَجْعَلَ مَحْياهُمْ ومَماتَهُمْ سَواءً (٣)،


(١) من أول قوله: "والشرائع فِي الدين". قاله أبو بكر النقاش بنصه في شفاء الصدور ورقة ١٠/ أ.
(٢) يعني أن "أمْ" هنا منقطعة بمعنى "بَلْ" والهمزةِ جميعًا.
(٣) هذا التأويل لا يصح على قراءة نصب "سَواءً"؛ لأن المفعول الأول لـ {نَجْعَلَ} هو الضمير "هُمْ" في {نَجْعَلَهُمْ}، و {سَوَاءً} هو المفعول الثانِي، و {مَحْيَاهُمْ} فاعل بـ {سَوَاءً}، و"مَماتُهُمْ" معطوف عليه، ومعناه: أن نجعلهم مُسْتَوِيَا محياهم ومَماتُهُمْ، وأما التأويل الذي ذكره المؤلف هنا فمعناه أن {مَحْيَاهُمْ} بدل من الضمير "هُمْ" في {نَجْعَلَهُمْ}، وهذا إنما يَتَأتَّى على قراءة الأعمش {سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} بالنصب فيها جميعًا، وهو قول الأخفش والزجاج، ينظر: معاني القرآن للأخفش ص ٤٧٦ - ٤٧٧، معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٤٣٣، إعراب القرآن ٤/ ١٤٦، الفريد للهمداني ٤/ ٢٨٣ - ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>