للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} يعني القرآن {قُلْ} يا محمد {إِنِ افْتَرَيْتُهُ} من تِلْقاءِ نفسي {فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} لا تَقْدِرُونَ أنْ تَرُدُّوني من عذابه، {هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} يعني: في القرآن، يقال: أفاضَ القَوْمُ في الحديث، وحديثٌ مُسْتَفِيضٌ ومُسْتَفاضٌ: إذا شاعَ وكَثُرَ حتى يقول فيه الناس (١).

وقوله: {كَفَى بِهِ شَهِيدًا} يريد اللَّه، فلا شاهد أفضل من اللَّه {بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} بأن القرآن جاء من اللَّه {وَهُوَ الْغَفُورُ} في تأخير العذاب عنهم {الرَّحِيمُ (٨)} حين لا يُعَجِّلُ عليهم العقوبةَ، ونصب "شهِيدًا" على الحال، وقيل: على التمييز (٢)، وقد تقدم نظيره في مَواضِعَ من القرآن.

قوله: {قُلْ} لهم يا محمد {مَا كُنْتُ بِدْعًا}؛ أي: بَدِيعًا {مِنَ الرُّسُلِ} يعني: ما أنا أول رسول، قد بُعِثَ قبلي كَثِيرٌ من الرسل، قال عَدِيُّ بنُ زيدٍ (٣):

٢٤٢ - فَلَا أنا بِدْعٌ مِنْ حَوادِثَ تَعْتَرِي... رِجالًا غَدَتْ مِنْ بَعْدِ بُؤْسَى وَأسْعُدِ (٤)


(١) قاله أبو بكر النقاش في شفاء الصدور ورقة ١٤/ أ، ١٤/ ب.
(٢) الوجهان قالهما النحاس ومكي، ينظر: إعراب القرآن للنحاس ٤/ ١٥٩، مشكل إعراب القرآن ٢/ ٢٩٩.
(٣) عَدِيُّ بنُ زيدِ بنِ حَمّادِ بنِ زيدٍ العِبادِيُّ التَّمِيمِيُّ، شاعر من دُهاةِ الجاهليين، من أهل الحِيرةِ، كتب بالعربية في ديوان كِسْرَى، واتخذه ترجمانًا بينه وبين العرب، سكن المدائن، وتزوج هند بنت النعمان بن المنذر، ثم وَشَى به أعداؤه إلى النعمان، فقتله سنة (٣٥ ق. هـ). [الشعر والشعراء ص ٢٣١ - ٢٣٩، الأعلام ٤/ ٢٢٠].
(٤) البيت من الطويل لعَدِيِّ بن زيد، ورواية ديوانه:
فَما أنا بِدْعٌ مِنْ أُناسٍ حَوادِثٍ... رِجالٌ أتَتْ مِنْ بَعْدِ بُؤْسَى بِأسْعُدِ
التخريج: ديوانه ص ١٥٤، جامع البيان ٢٦/ ٨، الكشف والبيان ٩/ ٧، المحرر الوجيز ٥/ ٩٣، الحماسة البصرية ٢/ ٨٩١، عين المعانِي ورقة ١٢٢/ أ، البحر المحيط ٨/ ٥٧، الدر المصون ٦/ ١٣٦، اللباب في علوم الكتاب ١٧/ ٣٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>