للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما سمعوا به اجتمعوا لِيَتَلَقَّوْهُ تعظيمًا لأمْرِ رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ولِرَسُولِهِ، فَحَدَّثَهُ الشيطانُ أنهم يريدون قَتْلَهُ، وكانت بينهم عداوة في الجاهلية، فَفَرِقَ الوليدُ منهم وهابَهُمْ، فرجع إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: إن بني المصطلق قد مَنَعُوا الصَّدَقةَ، وارْتَدُّوا، وأرادوا قَتْلِي، وهم بَراءٌ من ذلك، فنَزَلَتْ هذه الآية، وسَمّاهُ اللَّهُ فاسقًا (١).

وقوله: {فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا}؛ أي: لِئَلّا تصيبوا بالقتل والقتال (٢) {قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} بحالهم وما هُمْ عليه من الإسلام والطاعة، وقرأ حمزة والكسائي: "فَتَثَبَّتُوا" (٣) بالتاء والثاء من الثَّباتِ، وهو أبلغ في المعنى؛ لأن الإنسان قد يَتَثَبَّتُ ولا يَتَبَيَّنُ، وإذا تَبَيَّنَ فقد تَثَبَّتَ.

وقوله: {فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦)} عطف على {أَنْ تُصِيبُوا}؛ أي: تَنْدَمُوا على إصابتهم بالخطأ، وذلك أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هَمَّ بالإيقاع بهم حتى نزلت هذه الآية.

ثم وَعَظَهُمْ بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} معناه: اتقوا اللَّه أن تقولوا الباطل، وتفتروا الكذب، فإن اللَّهَ يُخْبِرُ نَبِيَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَتَفْتَضِحُوا، ثم قال:


(١) رواه الطبرانِيُّ في المعجم الأوسط ٤/ ١٣٣، والمعجم الكبير ٣/ ٢٧٤، ١٨/ ٧، ٢٣/ ٤٠١، ورواه البيهقي في السنن الكبرى ٩/ ٥٤، ٥٥ كتاب السير: باب قسمة الغنيمة في دار الحرب، وينظر: أسباب النزول ص ٢٦١.
(٢) هذا على مذهب الكوفيين، وأما على مذهب البصريين فقوله: "أنْ تُصِيبُوا" في موضع نصب على المفعول له؛ أي: مَخافةَ أنْ تُصِيبُوا، أو كَراهةَ أنْ تُصِيبُوا، وينظر ما سبق في أول السورة في قوله تعالى {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} وينظر: معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٣٤.
(٣) وهي قراءة ابن مسعود وخلف أيضًا، ينظر: جامع البيان ٢٦/ ١٦٠، تفسير القرطبي ١٦/ ٣١٢، النشر ٢/ ٢٥١، الإتحاف ٢/ ٤٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>