للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ابن كثير يقرؤها (١) بالمَدِّ والهَمْزِ، والصحيح قراءة العامة؛ لأن العرب سَمَّتْ زيدَ مَناةَ وعَبْدَ مَناةَ، ولَمْ يُسْمَعْ فيها المَدُّ (٢)، و"الثّالِثةَ" نعت لـ "مَناةَ"، يعني: الثالثةَ لِصَنَمَيْنِ في الذِّكْرِ، و"الأُخْرَى" نعت لها أيضًا، والجواب محذوف والتقدير: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى تُغْنِي عنكم شيئًا؟ (٣).

قوله: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١)} استفهام فيه معنى التوبيخ، وذلك


(١) يعني قوله: "وَمَناةَ"، قرأ العامة: "وَمَناةَ"، وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد ومجاهد والسلمي، والأعشى عن أبِي بكر عن عاصم: "ومَناءةَ" بهمزة بعد الألف، ينظر: السبعة ص ٦١٥، تفسير القرطبي ١٧/ ١٠١، النشر ٢/ ٣٧٧، البحر المحيط ٨/ ١٥٩، الإتحاف ٢/ ٥٠١.
(٢) هذا القول تابَعَ فيه المؤلفُ أبا عَلِيٍّ الفارِسِيَّ، فإنه قال: "ولعل مَناءةَ بالمد لغة، ولَمْ أسمع بها عن أحد من رواة اللغة، وقد سَمُّوْا: زيدَ مَناةَ وعَبْدَ مَناةَ، ولَمْ أسمعه بالمد". الحجة ٤/ ٥. ولكن الأزهري قال: "المَدُّ والقَصْرُ في مَناةَ، وهو صنم، جائز، وكان لثقيف. . . وأنشد الكسائي بيتًا في "مناءة" ممدودة:
ألا هَلْ أتَى التَّيْمَ بنَ عَبْدِ مَناءةٍ... عَلَى الشَّنْءِ فِيما بَيْنَنا ابنُ تَمِيمِ
معانِي القراءات ٣/ ٣٧، ٣٨. ومَنْ حَفِظَ حُجّةٌ على مَنْ لَمْ يحفظ، وعلى هذا فلا يجوز لأحدٍ أن يحكم على قراءة سبعية بانها غير صحيحة، خاصة وأن السماع يؤيدها، وينظر: الصحاح ٦/ ٢٤٩٨، ٢٤٩٩، البحر المحيط ٨/ ١٥٩، الدر المصون ٦/ ٢٠٨، اللباب في علوم الكتاب ١٨/ ١٨٠.
(٣) يعني أن المفعول الثانِيَ لـ "رَأيْتُمْ" محذوف، وذهب الفارسي إلى أن قوله: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ} في موضع المفعول الثانِي، قال الفارسي: "فأما قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ} فهو بِمَنْزِلةِ: أخْبِرُوني، فَتَعَدَّى "أرَأيْتَ" إلى المفعول، ووقع الاستفهام فِي موضع المفعول الثانِي، والمعنى: أرأيتم جَعْلَكُم الَّلاتَ والعُزَّى بَناتِ اللَّه ألَكُمُ الذَّكَرُ؟ ". المسائل الحلبيات ص ٧٨، وبه قال الباقولِيُّ والأنباري، ينظر: كشف المشكلات ٢/ ٣٣٧، البيان للأنباري ٢/ ٣٩٨، وذهب ابن عطية إلى أن "رأى" هنا بصرية، وليست متعدية لمفعولين، ينظر: المحرر الوجيز ٥/ ٢٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>