للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ" الكثرةُ، وهو مثل قوله تعالى: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} (١).

قوله: {إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ} يريد: في الشفاعة {لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (٢٦)} يعني: من أهل التوحيد.

قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أخْبَرَ عن قدرته وسَعةِ مُلْكِهِ وسلطانه {لِيَجْزِيَ} فِي الآخرة {الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا} من الشِّرْكِ في الدنيا {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا} وَحَّدُوا رَبَّهُمْ {بِالْحُسْنَى (٣١)} بالجنة، واللام في قوله: "لِيَجْزِيَ" متعلق بِمَعْنَى الآية الأولى (٢)، وهي لام العاقبة، وذلك أنّ عِلْمَهُ بالفريقين أدَّى إلى جزاء استحقاقهم.

ثم نَعَتَ المحسنين فقال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} {الَّذِينَ} في موضع نصب على النعت أو البدل من {الَّذِينَ} قبله، والكبائر: كُلُّ ذَنْبٍ حُتِمَ بالنار، والفواحشُ: كُلُّ ذَنْبٍ فيه الحَدُّ، وقرأ حمزة والكسائي: {كَبِيرَ الْإِثْمِ} (٣) على التوحيد لأنه مضاف إلى واحد في اللفظ، وإن كان يُرادُ به الكثرةُ،


= {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} على المعنى، لأن معنى أحَدٍ معنى جماعة". معانِي القرآن ص ٥٠٧.
(١) الحاقة ٤٧، وفي الأصل: "فما لكم".
(٢) يعني قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى}، وعلى هذا تكون اللام للصيرورة، كاللام في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}، قال ابن عطية: "واللام في قوله: {لِيَجْزِيَ} متعلقة بقوله: {ضَلَّ} وبقوله: {اهْتَدَى}، فكأنه قال: لِيَصِيرَ أمْرُهُم جميعًا إلى أن يَجْزِيَ". المحرر الوجيز ٥/ ٢٠٣، وينظر: الكشاف ٤/ ٣٢، البحر المحيط ٨/ ١٦٢.
(٣) وهي أيضًا قراءة ابن مسعود والأعمش وخلف وابن وثاب، ينظر: السبعة ص ٦١٥، تفسير القرطبي ١٧/ ١٠٦، النشر ٢/ ٣٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>