للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} هذا استفهامُ إنكارٍ؛ أي: أيُّ شَيْءٍ لكم من الثواب في الآخرة إذا لَمْ تؤمنوا باللَّه؟ ثم قال: {وَالرَّسُولُ} رفع على الابتداء، والخبر {يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ} يعني: حين أخْرَجَكُمْ (١) من صُلْبِ آدَمَ، فَأقِرُّوا بِالمَعْرِفةِ والرُّبُوبِيّةِ {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨)} يعني: إذْ كُنْتُمْ مؤمنين بالحُجَجِ والدليلِ والإعلام على حقيقة الإسلام وصحة نبوة المصطفى -عليه السلام-، فقد بانَ وظَهَرَ على يَدِ محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِبَعْثِهِ وإنْزالِ القرآن عليه، قرأ العامة: {وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ} بفتح الهمزة والقاف، وقرأ أبو عمرو بضمهما (٢) على وجه ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلهُ.

قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} يعني فتح مكة؛ أي: لا يستوي فِي الفضل مَنْ أنْفَقَ مالَهُ وقاتَلَ العَدُوَّ مِنْ قبل فتح مكة، مع مَنْ أنْفَقَ مِنْ بَعْدُ وقاتَلَ، قيل (٣): نزلت هذه الآية في أبِي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-، يَدُلُّ على هذا أنه أوَّلُ مَنْ أنْفَقَ المالَ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأوَّلُ مَنْ قاتَلَ على الإسلام.

ثم قال تعالى: {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} قال عطاء (٤): درجات الجنة تتفاضل، فالذين أنفقوا من قبل الفتح في أفضلها، قال الزجاج (٥): لأن المتقدمين نالَهُمْ من المَشَقّةِ أكْثَرُ مِمّا نالَ مَنْ بَعْدَهُمْ، وكانت


(١) في الأصل: "أخركم"، وهو سهو.
(٢) هذه قراءة الحسن واليَزِيدِيِّ أيضًا، ينظر: السبعة ص ٦٢٥، الإتحاف ٢/ ٥١٩.
(٣) قاله الكلبِي، ينظر: الكشف والبيان ٩/ ٢٣٢، أسباب النزول ص ٢٧١، الوسيط ٤/ ٢٤٥، زاد المسير ٨/ ١٦٣.
(٤) ينظر قوله في الوسيط ٤/ ٢٤٦، زاد المسير ٨/ ١٦٤.
(٥) معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>