للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ظهره، وسائرُ جَسَدِهِ خالٍ، والحوت على البحر، والبحر على مَتْنِ الرِّيحِ، والرِّيحُ على القُدْرةِ ويقال: إن الدنيا بما عليها حَرْفانِ من كتاب اللَّه تعالى، قال لها الجبارُ: كُونِي فكانت.

قال كعب الأحبار (١): "إنَّ إبْلِيسَ تَغَلْغَلَ إلَى الحوت الذي على ظَهْرِهِ الأرْضُ كُلُّها، فَوَسْوَسَ إليه، وقال: أتَدْرِي ما على ظَهْرِكَ يا لُوثِيّا! من الأُمَمِ والدَّوابِّ والشَّجَرِ والجِبالِ وغَيْرِها؟ لو نَفَضْتَهُمْ ألْقَيْتَهُمْ عن ظَهْرِكَ أجْمَعَ، قال: فَهَمَّ لُوثِيّا أن يفعل ذلك، فبعث اللَّه عَزَّ وَجَلَّ دابّةً، فدخلت مِنْخَرَهُ ووصلت إلَى دِماغِهِ، فَضَجَّ الحُوتُ إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ منها، فَأذِنَ اللَّهُ تعالى لها فَخَرَجَتْ، قال كعبٌ: الذي نفسي بِيَدِهِ إنه لَيَنْظُرُ إليها وتَنْظُرُ إليه، فَإنْ هَمَّ الحُوتُ بشيء من ذلك عادَتْ كما كانت".

قوله تعالى: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢)} هذا جواب القَسَمِ، وهو جواب لقولهم: {يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} (٢)، فَأقْسَمَ اللَّهُ تعالى بالحُوتِ وبالقَلَمِ وبأعمال بَنِي آدَمَ، فقال: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}، ومعناه: ما أنت يا محمد بما أنْعَمَ اللَّهُ عليك به من النُّبُوّةِ والرسالةِ والعَقْلِ والفَهْمِ بمَجْنُونٍ، إذْ كان عليَه السلام أعْقَلَ أهْلِ زَمانِهِ، والمَجْنُونُ: المَسْتُورُ العَقْلِ، ومن هذا: جَنَّ عليه الليلُ وأجَنَّهُ الليلُ، ومنه قيل للجَنِينِ: جَنِينٌ، ولِلْقَبْرِ: جَنَنٌ، ولِلْجِنِّ: جِنٌّ؛ لأنهم مستورون عن أعْيُنِ الناس (٣).

قوله تعالى: {فَسَتُبْصِرُ} يا محمد {وَيُبْصِرُونَ (٥)} يعني كفار مكة


(١) ينظر قوله في الكشف والبيان ١٠/ ٦، تفسير القرطبي ١/ ٢٥٧، ١٨/ ٢٢٤.
(٢) الحجر ٦.
(٣) من أول قوله: "ما أنت يا محمد بما أنعم اللَّه" قاله النحاس في إعراب القرآن ٥/ ٥، ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>