للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذَكَرَ مأوى الفريقين، فقال: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (٣٧)} يريد: في كُفْرِه، ومحل {مَنْ} رفع بالابتداء {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٣٨)} على الآخرة {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ}؛ أي: وُقُوفَهُ بين يديه {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠)} يريد: عن المحارم التي تشتهيها {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (٤١)}.

{يَسْأَلُونَكَ} يعني كفار مكة {عَنِ السَّاعَةِ} عن القيامة {أَيَّانَ} نصب على الظرف {مُرْسَاهَا (٤٢)} رفع خبر الظرف؛ أي: متى قيامُها، وليس قيام الساعة كَقِيامِ الإنسان، إنما هو ثَباتُها وَظُهُورُها كما يُقال: قامَ العَدْلُ؛ أي: ظَهَرَ وَثَبَتَ (١).

{فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) أي: لَسْتَ فِي شيء مِنْ عِلْمِها وذِكْرِها، إنما عِلْمُها عند اللَّه، وحُذفت ألف "ما" كما حذفت من {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} (٢) وشِبْهِهِ، فهو مِثْلُهُ في العِلّةِ والحُكْمِ، وقد تقدم ذِكْرُهُ (٣).

وقوله: {إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (٤٤)} رَفْعٌ خبر {إِلَى}؛ أي: مُنْتَهَى عِلْمِ الساعة، ولستَ مِنْ عِلْمِها في شَيْءٍ {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (٤٥)} قرأه العامة بالإضافة، وقرأ أبو جعفر وابن محيصن: {مُنْذِرٌ} (٤) مُنَوَّنًا، وَمِثْلَهُ رَوَى العَبّاسُ عن أبِي عمرو، وقال الفَرّاءُ (٥): التنوين وتركه في {مُنْذِرٌ} صوابٌ، كقوله: {بَالِغُ


(١) قاله الفراء في معانِي القرآن ٣/ ٢٣٤، وحكاه عنه النحاس في إعراب القرآن ٥/ ١٤٧، وقاله النقاش في شفاء الصدور ورقة ٢٠٧/ أ.
(٢) النبأ ١.
(٣) انظر: ٢/ ٢٢ من هذا الكتاب.
(٤) قرأ أبو عمرو في رواية عَبّاسٍ عنه، وأبو جعفر وابنُ مُحَيْصِنٍ والحَسَنُ وابن مِقْسَمٍ وعُمَرُ ابن عبد العزيز وشَيْبةُ وخالِدٌ الحَذّاءُ وابنُ هُرْمُزَ وعيسى بنُ عُمَرَ وطَلْحةُ: {مُنْذِرٌ} بالتنوين، وقرأ الباقون وأبو عمرو في غير رواية عَبّاسٍ بالإضافة، ينظر: السبعة ص ٦٧١، تفسير القرطبي ١٩/ ٢١٠، البحر المحيط ٨/ ٤١٦، الإتحاف ٢/ ٥٨٧.
(٥) معانِي القرآن ٣/ ٢٣٤، وهذا معنى كلام الفراء لا نصه.

<<  <  ج: ص:  >  >>