للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى: أنُّ عاقِرَ النّاقةِ هُوَ أشْقَى الأوَّلينَ عَلَى لِسانِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، لِما رُوِيَ عن صُهَيْبٍ قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لِعَلِيٍّ -كَرَّمَ اللَّه وَجْهَهُ-: "مَنْ أشْقَى الأوَّلينَ؟ " قال: عاقِرُ النّاقةِ، قال: "صَدَقْتَ"، قال: "فَمَنْ أشْقَى الآخِرِينَ؟ " قال: قُلْتُ: لا أعْلَمُ يا رَسُولَ اللَّهِ، قال: "الذي يَضْرِبُكَ عَلَى هَذِهِ" (١)، وَأشارَ بِيَدِهِ إلَى يافُوخِهِ.

قوله تعالَى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ} يعني: صالِح عليه السّلام {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (١٣)} يعني: شِرْبَها وَقِسْمَها مِنَ الماءِ، ونصب {نَاقَةَ اللَّهِ} على الإغْراءِ؛ أي: احْذَرُوا عَقْرَ ناقةِ اللَّهِ (٢)، وكل تحذير فما بعده نصب عليه، و"سُقْياها" عطف على {نَاقَةَ اللَّهِ}، {فَكَذَّبُوهُ} يعني صالِحًا {فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ}؛ أي: أهْلَكَهُمْ رَبُّهُمْ بِتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ وَعَقْرِهِم النّاقةَ {فَسَوَّاهَا (١٤)} يعني: فَسَوَّى الدَّمْدَمةَ عليهم جَمِيعًا وَعَمَّهُمْ بِها، فاسْتَوَتْ عَلَى صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ.

قال المُؤَرِّجُ (٣): والدَّمْدَمةُ: إهْلَاك بِاسْتِئْصالٍ، قال الجَوْهَرِيُّ (٤): يُقال: دَمْدَمْتُ الشَّيْءَ: إذا ألْصَقْتَهُ بِالأرْضِ وَطَحْطَحْتَهُ، وقال العَزِيزِيُّ (٥): أرْجَفَ بِهِم الأرْضَ، وَحَرَّكَها عليهم، وقال الأزهري (٦): أطْبَقَ عَلَيْهِمْ، والكُلُّ معناه:


(١) رواه الطبرانِي في المعجم الكبير ٨/ ٣٨، وأبو يَعْلَى في مسنده ١/ ٣٧٧، وذكره الهيثميُّ في مجمع الزوائد ٩/ ١٣٦ كتاب المناقب: باب مناقب عَلِيٍّ.
(٢) يعني بالإغراء هنا التحذير، ينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ٢٦٨، معانِي القرآن للأخفش ص ٥٣٩، غريب القرآن لابن قتيبة ص ٥٣٠، إعراب القرآن ٥/ ٢٣٨، مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤٧٧.
(٣) ينظر قوله في الكشف والبيان ١٠/ ٢١٥، الوسيط ٤/ ٥٠٠، زاد المسير ٩/ ١٤٣، البحر المحيط ٨/ ٤٧٢.
(٤) الصحاح ٥/ ١٩٢١.
(٥) يعني أبا بكر العزيزي السجستانِيُّ، قاله في تفسير غريب القرآن ص ١٧٩.
(٦) تهذيب اللغة ١٤/ ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>