للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبَيِّنةُ: مُحَمَّدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال ابن عباس ومقاتل (١): والدليل أن المراد بالبينة محمدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه فَسَّرَها وَأبْدَلَ مِنْها، فقال: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (٢)} يعني: ما تتَضمَّنُهُ الصُّحُفُ من المكتوب فيها وهو القرآن، يعني: مطهرة من الباطل والكذب والزور.

وقوله: {فِيهَا} يعني: في الصُّحُفِ من الآيات والأحكام {كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣)} أي: عادلة مستقيمة غَيْرُ ذاتِ عِوَجٍ، تُبَيِّنُ الحَقَّ من الباطل.

وقوله: {مُنْفَكِّينَ} خبر {يَكُنِ}، يعنى: مُنْتَهِينَ عن كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ (٢)، وقيل (٣): زائِلِينَ، تقول العرب: ما انْفَكَّ فُلَانٌ يَفْعَلُ كَذا؛ أي: ما زالَ، وقيل (٤): معناه: مُنْفَصِلِينَ، وقيل (٥): مُفارِقِينَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أي: مُتَفَرِّقِينَ، ويدل على هذا التأويل قولُهُ تعالَى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤)} وهو مأخوذ من قولهم: قد انْفَكَّ الشَّيْءُ من الشيء: إذا فارَقَهُ وانْفَصَلَ منه، فلا يحتاج إلَى خَبَرٍ إذا كان بمعنى "مُتَفَرِّقِينَ"، ولو كان بمعنى زائِلِينَ احتاج إلَى خَبَرٍ؛ لأنه من أخوات "كانَ".


(١) ينظر قولهما في الوسيط ٤/ ٥٣٩، مجمع البيان ١٠/ ٤١٣.
(٢) قاله مجاهد وقتادة وابن زيد والزجاج، ينظر: تفسير مجاهد ٢/ ٧٧٤، جامع البيان ٣٠/ ٣٣٢، ٣٣٣، معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٣٤٩، تهذيب اللغة ٩/ ٤٥٨.
(٣) قاله عطاء والفراء وأبو عبيدة وابن قتيبة، ينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ٢٨١، مجاز القرآن ٢/ ٣٠٦، غريب القرآن لابن قتيبة ص ٥٣٤، إعراب القرآن للنحاس ٥/ ٢٧١، ٢٧٢، وقاله النقاش في شفاء الصدور ورقة ٢٥٤/ ب، وحكاه الأزهري عن الأخفش في تهذيب اللغة ٩/ ٤٥٨، وينظر: تفسير القرطبي ٢٠/ ١٤٠.
(٤) قاله ابن عطية وابن الجوزي، ينظر: المحرر الوجيز ٥/ ٥٠٧، زاد المسير ٩/ ١٩٦، وينظر: البحر المحيط ٨/ ٤٩٤.
(٥) قاله الفراء والنحاس، ينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ٢٨١، إعراب القرآن للنحاس ٥/ ٢٧٢، وينظر أيضًا: مشكل إعراب القرآن ٢/ ٤٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>