للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {إِنَّهُمْ} يعني: زكريا وامرأتَه ويحيى {كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} وقيل: إنّ الكناية تعود إلى الأنبياء الذين ذَكَرهم اللَّه في هذه السُّورة، ومعنى {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}؛ أي: يبادرون في طاعة اللَّه وأداء فرائضه {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} يعني: خوفًا وطمعًا، رغبًا: في رحمة اللَّه ورَهَبًا: من عذابِ اللَّه، وقرأ الأعمش (١): {رُغْبًا وَرُهْبًا} (٢) بضمِّ الراءَيْنِ وجزم الغين والهاء، وهما لغتان، مثل: السُّقْم والسَّقَمِ والبُخْل والبَخَلِ والعُدْمِ والعَدَمِ (٣).

وهما منصوبانِ على المصدر، وقيل: على المفعول له؛ أي: للرَّغبة والرهبة (٤)، رغبةً في الجنة ورهبةً من النار {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (٩٠)} يعني: ذُلُلًا متواضِعِينَ خاضِعين.

قوله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} يعني: مريمَ عليها السلام؛ أي: حَفِظت فرجَها عَمّا لا يَحِلُّ {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} أمَرْنا جِبريلَ حتى نفَخ في دِرْعِها، وأضاف الرُّوحَ إليه إضافةَ المِلْكِ لِلتشريف والتفضيل والتخصيص، وهو يريد رُوحَ عيسى عليه السّلام، {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً


(١) سليمان بن مهران الأسدي بالولاء أبو محمد الكوفي، تابعي مشهور أصله من بلاد الرِّيِّ، ومنشؤه ووفاته بالكوفة، كان عالفا با لقرآن والحديث والفرائض، روى أكثر من ١٣٠٠ حديث، توفِّي سنة (١٤٨ هـ). [غاية النهاية ١/ ٣١٥، ٣١٦، سير أعلام النبلاء ٦/ ٢٢٦ - ٢٤٨، الأعلام ٣/ ١٣٥].
(٢) وهي أيضًا قراءة أبِي عمرو بن العلاء، ينظر: القرطبي ١١/ ٣٣٦، البحر ٦/ ٣١٢، الإتحاف ٢/ ٢٦٧.
(٣) قاله ابن السكيت في إصلاح المنطق ص ٨٦، وينظر: معانِي القرآن وإعرابه ٣/ ٤٠٣.
(٤) ويجوز انتصابهما على الحال على تأويلهما براغبينَ وراهبينَ، ينظر في هذه الأوجه: التبيان للعكبري ص ٩٢٥، البحر المحيط ٦/ ٣١٢، الدر المصون ٥/ ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>