للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يُوفُوا بِنَذْرِهِمُ... فَتَبًّا لِلَّذِي صَنَعُوا (١)

وَلَمّا أنْذَرَهُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالنار، قال أبو لَهَبٍ: إنْ كان ما تَقُولُهُ حَقًّا فأنا أفْتَدِي بِمالِي وَوَلَدِي، فَنَزَلَ قوله تعالَى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (٢)} يعني: ما يُغْنِي عنه، وقيل: أيُّ شَيْءٍ أغْنَى عنه مالُهُ من عذاب اللَّه، {وَمَا كَسَبَ} يعني: وَما وَلَدَ؛ لأن وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ، وأولاده: عُتْبةُ وَعُتَيْبةُ وَمُعَتِّبٌ.

وقرأ الأعمش: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} (٢) يعنِي: وما كَسَبَ، وَرُوِيَ ذلك عن ابن مسعود، قالت عائشة -رضي اللَّه عنها-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إنَّ أطْيَبَ ما أكَلَ أحَدُكُمْ مِنْ كَسْبِهِ، وَإنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ" (٣).

و {مَا} في موضع نصب بـ {أَغْنَى}، وهو اسمٌ تامٌّ (٤)، وقيل (٥):


(١) البيتان من الوافر المجزوء، لم أقف على قائلهما، وقد وَرَدا في قصة مقتل الخليفة العباسي المتوكلِ برواية:
لَقَدْ خَلَّوْكَ وانْصَرَفُوا... فَما آبُوا وَلَا رَجَعُوا
التخريج: الهواتف لابن أبِي الدنيا ص ١٠٦، الكشف والبيان ١٠/ ٣٢٤، عين المعانِي ورقة ١٤٩/ أ، تفسير القرطبي ٢٠/ ٢٣٥.
(٢) في الأصل: "وَما وَلَدَ"، وهذه ليست قراءة ابن مسعود ولا الأعمش. ينظر: الكشف والبيان ١٠/ ٣٢٥، شواذ القراءة للكرمانِيِّ ورقة ٢٧٢، تفسير القرطبي ٢٠/ ٢٣٨.
(٣) رواه الإمام أحمد في المسند ٦/ ٣١، ٤٢، ١٢٧، ١٩٣ - ٢٢٠، وأبو داود في سننه ٢/ ١٤٩ كتاب الإجارة: باب في الرجل يأكل من مال ولده، والنسائي في سننه ٧/ ٢٤١ كتاب البيوع: باب الحث على الكسب.
(٤) يعني أن "ما" اسم استفهام، قاله النَّحّاسُ وَمَكِّيٌّ، ينظر: إعراب القرآن ٥/ ٣٠٥، مشكل إعراب القرآن ٢/ ٥٠٧، قال ابن هشام: "فتكون [يعني "ما"] مفعولًا مطلقًا، والتقدير: أيَّ إغْناءٍ أغْنَى عنه مالُهُ؟ وَيَضْعُفُ كونُهُ مبتدأً لِحَذْفِ المفعول المضمر حينئذ؛ إذْ تقديره: أيُّ إغْناءٍ أغْنَى عنه ماله، وهو نظير "زَيْدٌ ضَرَبْتُ"، إلا أن الهاء المَحذوفةَ فِي الآية مفعول مطلق، وفي المثال مفعول به". مغني اللبيب ص ٤١٤.
(٥) وعليه تكون "ما" حرفًا لا موضع له، وهذا القول ذكره النَّحّاسُ وَمَكِّيٌّ بغير عزو، وبه قاله =

<<  <  ج: ص:  >  >>