للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعضهم (١): هذا على التأكيد، معناه: يدعو لَمن ضُرُّه أقربُ من نفعِه يدعو، ثم حذف "يَدْعُو" الأخيرةُ اكتفاءً بالأولى، ولو قلت: يَضْرِبُ لَمَنْ خَيْرُهُ أَكْثَرُ مِنْ شَرِّهِ يَضْرِبُ، ثم حذفتَ الأخيرةَ: جاز، وحُكِيَ عن العرب سماعًا: أَعْطَيْتُكَ لَما غَيْرُهُ خَيْرٌ منه (٢).

وقيل (٣): "يَدْعُو" تَكرارٌ للأول، و {لَمَنْ} لام الابتداء، و"بِئْسَ": خبرُه، واللام فيه جوابُ قسم محذوفٍ تقديره: يدعو لَلَّذِي ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، واللَّهِ لَبِئْسَ المَوْلَى وَلَبِئْسَ العَشِيرُ، و"مَنْ": منصوبُ المحلِّ في الأقاويل كلها.

وقيل (٤): "ذلك": منصوبٌ بـ {يَدْعُو} بمعنى "الَّذِي"، {وَلَبِئْسَ


(١) قاله أبو حاتم، ينظر: عين المعاني ورقة ٨٥/ أ.
(٢) قوله: "وحُكِيَ عن العرب سماعًا. . . إلخ" حكايةٌ حكاها الفراء مستشهدًا بها على رأيه هو والكسائيِّ، وخلاصته أن هذه اللام مقدمة عن موضعها وأن المعنى: مَنْ لَضَرُّهُ، قال الفراء: "وَذُكِرَ عن العرب أنهم قالوا: عندي لَما غَيْرُهُ خَيْرٌ منه، فحالوا باللام دون الرافع، وموقع اللام كان ينبغي أن يكون في {ضَرُّهُ} "، معاني القرآن ٢/ ٢١٧.
وينظر رد النحاس والفارسي على الفراء ومَنْ تابَعَهُ في إعراب القرآن ٣/ ٨٩، الإغفال ٢/ ٤٣١ - ٤٣٧، شرح الجمل لطاهر بن أحمد ٢/ ١٣٧، أمالي ابن الحاجب ١/ ١٢٠.
(٣) قاله ابن جني، وهو بنصه تقريبًا في سر صناعة الإعراب ص ٤٠١، ٤٠٢، وحكاه السجاوندي عن الفارسي في عين المعاني ٨٥/ أ، ومعناه أنه توكيد لفظي، وقد رَدَّهُ ابنُ الحاجب بقوله: "وليس بشيء، فإن التأكيد اللفظي لا يُفصل بينه وبين مُؤَكَّدِهِ بالجُمَلِ". أمالي ابن الحاجب ١/ ١١٩.
(٤) هذا قول الزجاج وأبي علي الفارسي، وهو موافق لمذهب الكوفيين في أن أسماء الإشارة يجوز أن تكون موصولة، قال الزجاج: "ذلك: في موضع نصب بوقوع {يَدْعُو} عليه، ويكون في تأويل "الذي"، ويكون المعنى: الذي هو الضلال البعيد يدعو، ويكون {لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} مستأنفًا، وهذا مثل قوله: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى} على معنى: وما التي بيمينك يا موسى؟، ومثله قول الشاعر:
عَدَسْ، ما لِعَبّادٍ عَلَيْكِ إِمارةٌ... أَمِنْتِ وَهَذا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ".
معاني القرآن وإعرابه ٣/ ٤١٦، ٤١٧، وأما قول الفارسي فقد حكاه ابن جني في سر =

<<  <  ج: ص:  >  >>